للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تحققت نبوءته - صلى الله عليه وسلم - حين سارت عائشة رضي الله عنها جهة البصرة قبيل وقعة الجمل، فلما بلغت مياه بني عامر نبحت الكلاب، فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا أني راجعة.

فقال لها الزبير: بل تقدمين، فيراك المسلمون، فيصلح الله عز وجل بينهم، قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لي ذات يوم: ((كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب)). (١) فتحقق ما أخبرها به النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته بخمس وعشرين سنة، ليكون إنباؤه دليل صدقه وبرهان نبوته.

وإذا كانت الفتنة قد عصفت رياحها بالكثيرين، فإن ثمة من لا تضره الفتنة ولا يشترك فيها، إنه محمد بن مَسْلَمة، يقول حذيفة - رضي الله عنه -: ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه؛ إلا محمد بن مسلمة، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا تضرك الفتنة)). (٢)

ولما أطلَّت الفتنة برأسها حقق محمد بن مسلمة نبوءة النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه، فاعتزلها، وكسر سيفه، واتخذ سيفاً من خشب. (٣)

وكما أخبر - صلى الله عليه وسلم - عن الفتن التي تفرق المسلمين؛ فإنه أنبأ عن التئام شمل المسلمين على يد الحسن بن علي رضي الله عنهم، يقول أبو بكرة - رضي الله عنه -: بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب؛ جاء الحسن، فقال عليه الصلاة والسلام: ((ابني هذا سيد, ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)). (٤)

وقد كان كما أخبر - صلى الله عليه وسلم -، فقد تنازل الحسن لمعاوية عن الملك عام أربعينَ من الهجرة، فسُمِّيَ عامَ الجماعة لاجتماع المسلمين فيه على خليفة واحد بعد طول فرقة واختلاف.


(١) رواه أحمد ح (٢٣٧٣٣)، والحاكم (٣/ ١٢٩)، وصححه، ووافقه الذهبي، وقال ابن كثير في البداية والنهاية: "هذا إسناد على شرط الصحيحين ولم يخرجوه" (٦/ ٢١٢).
(٢) رواه أبو داود ح (٤٦٦٣)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح ح (٦٢٣٣).
(٣) انظر العبر، الذهبي (١/ ٩).
(٤) رواه البخاري ح (٧١٠٩).

<<  <   >  >>