للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في رؤياه أنه يأتي المسجد الحرام ويطوف به، فأخبر أصحابه، فسُروا بذلك، وظنوا أن ذلك يكون في عامهم، فتجهزوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - آمّين البيت الحرام معظمين لحرْمَته، فصدتهم قريش عن البيت، وانتهى الأمر بإبرام صلح الحديبية الذي ألزم المسلمين بالعودة إلى المدينة، وأن يعتمروا من عامهم القابل.

وشعر الصحابة بغبن الشروط التي تضمنها الصلح، حيث اعتبره بعضهم من الدنية، فجاء عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله، ألسنا على الحق، وهم على الباطل؟ فقال: ((بلى)) فقال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: ((بلى)).

قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ أنرجع ولما يحكمِ الله بيننا وبينهم؟

فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((يا ابن الخطاب، إني رسول الله، ولن يضيعني الله أبداً)) ... فنزلت سورة الفتح فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عمر إلى آخرها.

فقال عمر: يا رسول الله أوَفتح هو؟ قال: ((نعم)). (١) وأنزل الله في إثرها آياتٍ من سورة الفتح.

لقد صدق الله رسوله القول: {إنا فتحنا لك فتحا مبيناً} (الفتح: ١)، فكانت الآية عزاء للنبي وصحابته في عودهم إلى المدينة من غير أن يطوفوا بالبيت الحرام، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد أُنزلت عليَّ آية هي أحب إليّ من الدنيا جميعاً)). (٢)

قال ابن حجر في تبيان معنى الفتح العظيم الذي حققه المسلمون في صلح الحديبية: "المراد بالفتح هنا الحديبية، لأنها كانت مبدأَ الفتح المبين على المسلمين , لما ترتب على الصلح الذي وقع منه الأمن ورفع الحرب، وتمكن من يخشى الدخول في الإسلام والوصولَ إلى المدينة من ذلك، كما وقع لخالدٍ بنِ الوليد وعمرو بنِ العاص وغيرِهما, ثم تبعت الأسباب بعضَها بعضاً إلى أن كمل الفتح ...

قال [الزهري]: لم يكن في الإسلام فتحٌ قبلَ فتح الحديبية أعظمَ منه, وإنما كان الكفر حيث القتال, فلما أمن الناس كلهم؛ كلم بعضُهم بعضاً، وتفاوضوا في الحديث والمنازعة،


(١) رواه البخاري ح (٤٤٨٤)، ومسلم ح (١٧٨٥).
(٢) رواه مسلم ح (١٧٨٦).

<<  <   >  >>