للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال جابر: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه أبو بكر وعمر، فجلس على المِربَد، ودعا بالبركة، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ادعُ غُرَماءَك فأوفِهم) قال جابر: فما تركتُ أحداً له على أبي دَيْنٌ إلا قضيتُه، وفَضَل ثلاثةَ عشر وسْقاً ...

فوافيتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرِب، فذكرتُ ذلك له، فضحك، وقال: ((ائت أبا بكر وعمر فأخبرهُما) فقالا: لقد علمنا إذ صنعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما صنعَ أنْ سيكون ذلك. (١) أي أن أبا بكر وعمرَ توقعا أن يقضي التمرُ - مع قِلّته - الدَّين، وذلك ليَقِينهما ببركة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

قال ابن حجر: " وفيه عَلم ظاهر من أعلام النبوة، لتكثيرِ القليل إلى أن حصل به وفاء الكثير، وفَضَل منه". (٢)

وأعجب منه رآه جابر في يوم آخر، وذلك يوم الخندق، فقد رأى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - جوعاً شديداً، يقول: فانكفأْتُ إلى امرأتي، فقلتُ لها: هل عندك شيء؟ فإني رأيت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - خَمَصَاً شديداً، قال: فأخرجَت لي جِراباً فيه صاعٌ من شعير، ولنا بهيمةٌ داجنٌ، فذبحتُها ...

ثم ولّيتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت امرأةُ جابر: لا تفضحني برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه.

لقد خشيتْ أن يدعو جمْعاً لا يكفيه الطعام، فتفضح بين النساء بعجزها عن إطعامهم.

يقول جابر: فجئتُه - صلى الله عليه وسلم - فسارَرْتُه، فقلتُ: يا رسول الله، إنا قد ذبحنا بهيمة لنا، وطحنتُ صاعاً من شعير كان عندنا، فتعال أنت في نفرٍ معك.

يقول جابر: فصاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((يا أهل الخندق، إن جابراً قد صنع لكم سُوراً، فحيَّ هلاً بكم)).

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجابر: ((لا تُنزلِنَّ بُرمَتكم، ولا تخبِزُنَّ عجينَتَكم حتى أجيء)).


(١) رواه البخاري ح (٢٧٠٩)، ومسلم ح (٢٠٣٩).
(٢) فتح الباري (٦/ ٦٨٨).

<<  <   >  >>