للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يستجيب لوليه الضعيف، داود يدعو الله أن ينجي المسيح، وأن يرفعه للسماء لما صنع من بر وخير (تقدمات ومحرقات)، ويبتهل صاحب المزمور طالباً النجاة له "في يوم الضيق"، "في يوم دعائنا"، وليس من يوم مرّ على المسيح أضيق من ذلك اليوم الذي دعا فيه طويلاً، طالباً من الله أن يصرف عنه هذا الكأس " وإذ كان في جهاد؛ كان يصلي بأشد لجاجة، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض " (لوقا ٢٢/ ٤٤).

ويطلب داود من الله إجابة دعاء المسكين وإعطاءه ملتمس شفتيه وسؤله وكل مراده " ليعطك حسب قلبك، ويتمم كل رأيك ... ليكمل الرب كل سؤلك".

وهذا العون والنجاء يطلبه له داود لما سبق وتقدم به المسيح من أعمال صالحة " ليذكر كل تقدماتك، وليستسمن محرقاتك".

وينص المزمور على اسم المسيح، وأن الله خلصه من الموت في فقرة ظاهرة لا تخفى حتى على أعمى، فقد عرف داود نتيجة دعائه " الآن عرفت أن الرب مخلص مسيحه، يستجيبه من سماء قدسه بجبروت خلاص "، فالمزمور يذكر المسيح بالاسم، ويتحدث عن خلاصه، أن الله رفعه، وأنه أرسل له ملائكة يحفظونه " ليرفعك اسم إله يعقوب، ليرسل لك عوناً من قدسه".

ويبتهج المزمور لهذه النهاية السعيدة "نترنم بخلاصك، وباسم إلهنا نرفع رايتنا".

ويربط القمّص تادرس يعقوب ملطي بين هذه الفقرة المتحدثة عن رفع الراية ونجاة المسيح، فرفع الراية عادة قديمة سادت في الشرق عند حدوث جريمة قتل ومطالبة أهل القتيل بالثأر، فإذا عفا هؤلاء عن القاتل؛ فإنه يخرج إلى الناس فرحًا لإعلان خبر نجاته وإعلان «هذا النبأ السار بخلاص من كان يُطلَب قتله؛ بحمل مَنْ تمتّع بالعفو راية فوق رأسه، ويصرخ داعيًا المدينة كلها كي تأتي وترى الإنسان الذي باسمه تمتع بالحرية وعُتِق من حكم الموت»، فرفع الراية كان علامة لنجاة من كان يظن أنه سيموت، وقوله: «وباسم إلهنا نرفع رايتنا» (١) إشارة إلى رفع راية المسيح؛ راية نجاته من القتل، وهو الذي كان يظن أن القتل قدره ونهايته.

ويتحدث المزمور أيضاً عن تلك اللحظة العظيمة، لحظة الخلاص التي نجا فيها المسيح " هم جثوا وسقطوا، أما نحن فقمنا وانتصبنا "، فهو يتحدث عن لحظة وقوع الجند كما في يوحنا " فلما قال لهم: إني أنا هو؛ رجعوا إلى الوراء، وسقطوا على الأرض " (يوحنا ١٨/ ٦).

وهذه اللحظة العظيمة، لحظة الخلاص يسجلها أيضاً المزمور التاسع، فهي إحدى آيات الله وأعاجيبه في خلقه، "أحمد الرب بكل قلبي، أحدث بجميع عجائبك،


(١) كتاب المزامير، القمّص تادرس يعقوب ملطي، ص (٣٤٠).

<<  <   >  >>