للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

- هل تأتي يا عزيزي!

ولا ريب أنني كنت في نظرهن، ببزّتي الخارجة عن الذوق المألوف بلونها المشرق، أحد نزلاء الأرجنتين أو البرازيل، أعني النزيل المشحون بالدولارات، فكانت دعواتهن تقرع أذني كلما خرجت هن الفندق أو عدت إليه.

هكذا استقبلتني باريس، بوجه بناتها الطائشات الكاسيات العاريات العارضات لزينتهن وعِرْضهن دون أي شعور بالإثم.

ولكن لباريس وجوه أخرى لا يكتشفها المرء عند نزوله. وقد كانت تجولاتي الأولى مجرد محاولات غير جريئة للتعرف عليها في العالم الجديد الذي أصبحت فيه ...

ولقد ألقت بي خطواتي، أثناء أحد تلك التجولات الاستطلاعية، قريباً من معهد الدراسات الشرقية، فاغتنمت الفرصة لتسجيل اسمي للامتحان المزمع إجراؤه في منتصف تشرين الأول (أكتوبر) أو في أوائل تشرين الثاني (نوفبر).

فكان إذن لدي ما يكفي من الوقت للاطلاع على أحوال باريس، وقد يُفاجأ المرء أحياناً بما يرى من تلاؤم بين ما يجيش في باطنه، وما يدور حوله؛ وربما تكون هذه الملاحظه مجرد انطباع ذاتي، ولكن كنت فعلاً أشعر أن فصل الخريف في باريس يصب في النفس المضطربة بلسماً يهدئها، وبقي شعوري هذا إلى اليوم ... إنني أحب خريف باريس الفصل الذي تستيقظ فيه المدينة كل صباح كسولاً لتمزق ما على وجهها من ضباب كثيف ثم تنطلق لأشغالها تحت أوراق أشجارها المتناثرة.

إن للفصول طابعها النفسي، فالخريف يحدّث النفوس بالوداع والحنين، وربما كان هذا الشعور يلتئم مع وضعي في تلك الفترة الانتقالية بين ماض قريب ومستقبل لا زال غامضاً.

<<  <   >  >>