للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[نماذج من إيثار رسول الله صلى الله عليه وسلم:]

أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من جميع الأخلاق أوفر الحظ والنصيب, فما من خلق إلا وقد تربع المصطفى صلى الله عليه وسلم على عرشه, وعلا ذروة سنامه, ففي خلق الإيثار كان هو سيد المؤثرين وقائدهم , بل وصل الحال به صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يشبع لا هو ولا أهل بيته بسبب إيثاره صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤثر بما عنده فقد ثبت في الصحيحين أنه كان إذا جاءه ما فتح الله عليه من خيبر وغيرها من تمر وغيره يدخر قوت أهله سنة ثم يجعل ما بقي عنده عدة في سبيل الله تعالى ثم كان مع ذلك إذا طرأ عليه طارئ أو نزل به ضيف يشير على أهله بإيثارهم فربما أدى ذلك إلى نفاد ما عندهم أو معظمه) (١).

وإليك أخي الكريم بعض الصور من إيثار رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- عن سهل بن سعد، قال: ((جاءت امرأة ببردة، قال: أتدرون ما البردة؟. فقيل له: نعم، هي الشملة، منسوج في حاشيتها. قالت: يا رسول الله، إني نسجت هذه بيدي أكسوكها، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها، فخرج إلينا وإنها إزاره، فقال رجل من القوم: يا رسول الله، اكسنيها. فقال: (نعم). فجلس النبي صلى الله عليه وسلم في المجلس، ثم رجع فطواها، ثم أرسل بها إليه، فقال له القوم: ما أحسنت، سألتها إياه، لقد علمت أنه لا يرد سائلا. فقال الرجل: والله ما سألته إلا لتكون كفني يوم أموت. قال سهل: فكانت كفنه)) (٢).

- وعن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: ((إنّا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاءوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق فقال: أنا نازل ثمّ قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة أيّام لا نذوق ذواقا فأخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المعول فضرب في الكدية فعاد كثيبا أهيل أو أهيم فقلت: يا رسول الله ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت في النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا ما كان في ذلك صبر فعندك شيء؟ فقالت: عندي شعير وعناق فذبحت العناق وطحنت الشّعير حتّى جعلنا اللّحم بالبرمة. ثمّ جئت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافيّ قد كادت أن تنضج. فقلت: طعيّم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان. قال: كم هو؟ فذكرت له فقال: كثير طيّب قال: قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التّنّور حتّى آتي، فقال: قوموا. فقام المهاجرون والأنصار فلمّا دخل على امرأته. قال: ويحك جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم، قالت: هل سألك؟ قلت: نعم. فقال: ادخلوا ولا تضاغطوا. فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللّحم ويخمّر البرمة والتّنّور إذا أخذ منه، ويقرّب إلى أصحابه ثمّ ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتّى شبعوا وبقي بقيّة. قال: كلي هذا وأهدي فإنّ النّاس أصابتهم مجاعة)) (٣).


(١) ((فتح الباري)) لابن حجر (١١/ ٢٨٠).
(٢) رواه البخاري (٢٠٩٣) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
(٣) رواه البخاري (٤١٠١) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>