للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسائل متفرقة حول التعاون]

- التعاون بين الحاكم والمحكوم:

إن الحاكم يحتاج إلى المعاونة والمساعدة، مثله مثل غيره من البشر، بل هو أشد حاجةً إلى ذلك من غيره، بسبب الأعمال والتكاليف الكثيرة التي يواجهها في إدارة البلاد، ومحال أن يتصدر لكل شئون البلاد ويديرها دون وجود المعين والمساعد، (فإن الإمام ليس هو ربا لرعيته حتى يستغني عنهم، ولا هو رسول الله إليهم حتى يكون هو الواسطة بينهم وبين الله. وإنما هو والرعية شركاء يتعاونون هم وهو على مصلحة الدين والدنيا، فلا بد له من إعانتهم، ولا بد لهم من إعانته، كأمير القافلة الذي يسير بهم في الطريق: إن سلك بهم الطريق اتبعوه، وإن أخطأ عن الطريق نبهوه وأرشدوه، وإن خرج عليهم صائلٌ يصول عليهم تعاون هو وهم على دفعه) (١).

- وجوه التعاون على البر والتقوى:

(قال ابن خويز مندادٍ في أحكامه: والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوهٍ، فواجبٌ على العالم أن يعين الناس بعلمه فيعلمهم، ويعينهم الغني بماله، والشجاع بشجاعته في سبيل الله، وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة ((المؤمنون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يدٌ على من سواهم). ويجب الإعراض عن المتعدي وترك النصرة له ورده عما هو عليه)) (٢).

- وصايا في الحث على التعاون:

- قال أبو هلال العسكري: (أجود ما قيل في التضافر والتعاون قول قيس بن عاصم المنقري يوصي ولده وقومه وجدت في كتاب غير مسموع لما حضر عبد الملك بن مروان الوفاة وعاينته وقال يا بني أوصيكم بتقوى الله وليعطف الكبير منكم على الصغير ولا يجهل الصغير حق الكبير وأكرموا مسلمة بن عبد الملك فإنه نابكم الذي عنه تعبرون ومجنكم الذي به تستجيرون ولا تقطعوا من دونه رأياً ولا تعصوا له أمراً، وأكرموا الحجاج بن يوسف فإنه الذي وطأ لكم المغابر وذلل لكم قارب العرب وعليكم بالتعاون والتضافر وإياكم والتقاطع والتدابر. فقال قيس بن عاصم لبنيه:

بصلاح ذات البين طول بقائكم ... إن مد في عمري وإن لم يمدد

حتى تلين جلدوكم وقلوبكم ... لمسود منكم وغير مسود

إن القداح إذا جمعن فرامها ... بالكسر ذو حنق وبطش أيد

عزت ولم تكسر وإن هي بددت ... فالوهن والتكسير للمتبدد) (٣)

- روي أن أكتم بن صيفي دعا أولاده عند موته فاستدعى بضمامة من السهام وتقدم إلى كل واحد أن يكسرها فلم يقدر أحد على كسرها ثم بددها وتقدم إليهم أن يكسروها فاستهلوا كسرها فقال كونوا مجتمعين ليعجز من ناوأكم عن كسركم كعجزكم (٤).

- التعاون في عالم الحيوانات والطيور:

توجد العديد من الأمثلة التي تدل على التعاون والتآزر والتكافل بين الكائنات الحية، وكثير من هذه الكائنات تعيش على شكل مجاميع وقطعان، لتكون قوة واحدة لحماية بعضها البعض، وللتصدي لأي خطر قد يحدق بأحد أفرادها.

(مخلوقات جعل الله في فطرتها نوع تعاون إما لتأمين غذائها أو الدفاع عن نفسها وجماعتها، ويظهر ذلك في جنسي النمل والنحل.

فقد شوهد أن النمل إذا عثر على عسل في وعاء، ولم يتمكن من الوصول إليه مباشرة؛ لوجود ماء أو سائل يحول بينه وبين هذا العسل، فإنه يتعاون بطريقة فدائية انتحارية؛ فتتقدم فرق بعد أخرى فتلتصق بالسائب وتموت، وتتقدم غيرها مثلها حتى تتكون قنطرة من جثث النمل الميت يعبر عليها الأحياء الباقون، فيدخلون الوعاء ويصلون إلى العسل ويبلغون مأربهم. هذا في حال اليسر والغذاء.


(١) ((منهاج السنة)) لابن تيمية (٥/ ٤٦٣).
(٢) ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (٦/ ٤٦).
(٣) ((ديوان المعاني)) لأبي هلال العسكري (١/ ١٥١).
(٤) ((صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم)) لحسين المهدي (٢/ ١٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>