للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نماذج من حلم العلماء المعاصرين:]

حلم الشيخ ابن باز:

الحلم والسكينة يلازمان – الشيخ ابن باز - في شتى أطواره، يستوي بذلك حاله في السفر والحضر، وفي الصحة والمرض، وفي الزحام والوحدة، ومع القريب والبعيد ...

فهو يحلم على من يجهل عليه، ويحلم على من يرفع الصوت بحضرته، ويحلم على من يسيء فهمه، ويحلم على من يرد عليه بالباطل ...

وقبل سنتين من وفاة سماحته رحمه الله كان في الطائف، وفي يوم من الأيام جاء سماحته من الدوام قريباً من الساعة الثالثة إلا ربعاً، ولا يخفى عليك أنه قد قام في آخر الليل للتهجد، وأنه يجلس للدرس حتى الثامنة صباحاً، ثم يذهب للدوام ويقوم بما يقوم به من الأعمال العظام، فلما قدم من الدوام في ذلك اليوم دخل مجلسه، فحيا الجموع التي كانت تأتي كالعادة إليه، وبدأت الأسئلة تترى، والهاتف يستأنف رنينه.

وفي هذه الأثناء دخل على سماحته رجل ثائر، ومعه أوراق يطلب فيها شفاعة الشيخ؛ ليحصل على مال؛ ليتزوج، فشرع الرجل يتكلم بصوت مرتفع أزعج الحاضرين في المجلس، فوجهه سماحة الشيخ بما يلزم، وقال: اذهب إلى فلان في بلدكم الفلاني، واطلب منه أن يكتب لكم تزكية، ويقوم باللازم، ثم يرفعه إلينا، ونحن نكمل اللازم، ونرفع إلى أحد المحسنين في شأنك.

فقال الرجل: يا شيخ ارفعها إلى المسؤول الفلاني- يعني أحد المسؤولين الكبار_فقال سماحة الشيخ: ما يكون إلا خير، فرفع الرجل صوته، وأخذ يكرر: لابد أن ترفعها إلى فلان، وما زال يردد، وما زال الشيخ يلاطفه، ويرفق به، ويعده بالخير، حتى إن الحاضرين تكدروا، وبدا الغضب من على وجوههم، بل إن بعضهم هَمَّ بإخراج الرجل، ولكنهم تأدبوا بحضرة الشيخ. ولم يرغبوا بالتقدم بين يديه. فقال الرجل: يا شيخ عمري يزيد على الخمسين، وماعندي زوجة، وما بقي من عمري إلا القليل، فتبسم سماحة الشيخ، وقال: ياولدي إن شاء الله ستتزوج، ويزيد عمرك_إن شاء الله_على التسعين، وسنعمل ما نستطيع في تلبية طلبك.

فما كان من ذاك الرجل الثائر المستوفز إلا أن تَبلَّجت أساريره، وأقبل على سماحة الشيخ، وأخذ برأس الشيخ يُقَبِّله، ويدعو له.

فلما همَّ بالانصراف ودع الشيخ، فقال له سماحته: لا نسمح لك؛ غداؤك معنا، فقال: يا شيخ أنا على موعد، فقال له الشيخ: هذا الهاتف اعتذر، فما زال يحاول التخلص، وما زال سماحة الشيخ يلح عليه بتناول الغداء، ولم يقبل سماحته الاعتذار إلا بعد لأْيٍ وجَهْد.

حينئذٍ تعجب الحاضرون من تحمل الشيخ، وأصبحت ترى الدهشة بادية على وجوههم، فكأنه أعطاهم درساً عملياً في فضل الحلم، وحميد عاقبته (١).


(١) ((جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله)) لمحمد إبراهيم الحمد. بتصرف (ص ٢٢٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>