للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الترغيب على السماحة من القرآن والسنة]

الترغيب على السماحة من القرآن الكريم:

- قال تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: ١٩٩].

قال السعدي: (هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع الناس، وما ينبغي في معاملتهم، فالذي ينبغي أن يعامل به الناس، أن يأخذ العفو، أي: ما سمحت به أنفسهم، وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق، فلا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم، بل يشكر من كل أحد ما قابله به، من قول وفعل جميل أو ما هو دون ذلك، ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض طرفه عن نقصهم) (١).

- وقال سبحانه: وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة: ٢٣٧].

قال ابن عاشور: (ومعنى كون العفو أقرب للتقوى: أن العفو أقرب إلى صفة التقوى من التمسك بالحق لأن التمسك بالحق لا ينافي التقوى لكنه يؤذن بتصلب صاحبه وشدته، والعفو يؤذن بسماحة صاحبه ورحمته، والقلب المطبوع على السماحة والرحمة أقرب إلى التقوى من القلب الصلب الشديد، لأن التقوى تقرب بمقدار قوة الوازع، والوازع شرعي وطبيعي، وفي القلب المفطور على الرأفة والسماحة لين يزعه عن المظالم والقساوة، فتكون التقوى أقرب إليه، لكثرة أسبابها فيه) (٢).

- ونفى الله عن رسوله الفظاظة وغلظ القلب فقال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران: ١٥٩].

قال السعدي: (أي: برحمة الله لك ولأصحابك، منَّ الله عليك أن ألنت لهم جانبك، وخفضت لهم جناحك، وترققت عليهم، وحسنت لهم خلقك، فاجتمعوا عليك وأحبوك، وامتثلوا أمرك. وَلَوْ كُنتَ فَظًّا أي: سيئ الخلق غَلِيظَ الْقَلْبِ أي: قاسيه، لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ لأن هذا ينفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيئ) (٣).

- وقال تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: ٢٨٠].

ففي هذه الآية (وجه الله الدائنين إلى التيسير على المدينين المعسرين، فعلمهم الله بذلك سماحة النفس، وحسن التغاضي عن المعسرين) (٤).

الترغيب على السماحة من السنة النبوية:

- وعن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى)) (٥).

قال ابن بطال: (فيه الحضُ على السماحة وحسن المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق ومكارمها، وترك المشاحة والرقة في البيع، وذلك سبب إلى وجود البركة فيه لأن النبي عليه السلام لا يحض أمته إلا على ما فيه النفع لهم في الدنيا والآخرة) (٦).


(١) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص ٣١٣).
(٢) ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (٢/ ٤٦٥).
(٣) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص ١٥٤).
(٤) ((الأخلاق الإسلامية)) لعبد الرحمن الميداني (٢/ ٤٦٧).
(٥) رواه البخاري (٢٠٧٦) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(٦) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (٦/ ٢١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>