للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نماذج من شجاعة العلماء المتقدمين:]

شجاعة سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله في إنكار المنكر:

(شيخ الإسلام والمسلمين وأحد الأئمة الأعلام سلطان العلماء إمام عصره بلا مدافعة القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في زمانه المطلع على حقائق الشريعة وغوامضها العارف بمقاصدها لم ير مثل نفسه ولا رأى من رآه مثله علما وورعا وقياما في الحق وشجاعة وقوة جنان وسلاطة لسان) (١).

يذكر الباجي موقفا من مواقف سلطان العلماء فيقول: (طلع شيخنا عز الدين مرة إلى السلطان في يوم عيد إلى القلعة فشاهد العساكر مصطفين بين يديه ومجلس المملكة وما السلطان فيه يوم العيد من الأبهة وقد خرج على قومه في زينته على عادة سلاطين الديار المصرية وأخذت الأمراء تقبل الأرض بين يدي السلطان فالتفت الشيخ إلى السلطان وناداه يا أيوب ما حجتك عند الله إذا قال لك ألم أبوئ لك ملك مصر ثم تبيح الخمور فقال هل جرى هذا فقال نعم الحانة الفلانية يباع فيها الخمور وغيرها من المنكرات وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة يناديه كذلك بأعلى صوته والعساكر واقفون فقال يا سيدي هذا أنا ما عملته هذا من زمان أبي فقال أنت من الذين يقولون إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ [الزخرف: ٢٢]، فرسم السلطان بإبطال تلك الحانة.

يقول الباجي: سألت الشيخ لما جاء من عند السلطان وقد شاع هذا الخبر: يا سيدي كيف الحال؟ فقال يا بني رأيته في تلك العظمة فأردت أن أهينه لئلا تكبر نفسه فتؤذيه فقلت يا سيدي أما خفته فقال والله يا بني استحضرت هيبة الله تعالى فصار السلطان قدامي كالقط) (٢).

شجاعة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

يقول البزار: (كان - رحمه الله - من أشجع الناس وأقواهم قلبا ما رأيت أحدا أثبت جأشا منه ولا أعظم عناء في جهاد العدو منه كان يجاهد في سبيل الله بقلبه ولسانه ويده ولا يخاف في الله لومة لائم، وأخبر غير واحد أن الشيخ – رحمه الله - كان إذا حضر مع عسكر المسلمين في جهاد يكون بينهم واقيتهم وقطب ثباتهم إن رأى من بعضهم هلعا أو رقة أو جبانة شجعه وثبته وبشره ووعده بالنصر والظفر والغنيمة وبين له فضل الجهاد والمجاهدين وإنزال الله عليهم السكينة.

وكان إذا ركب الخيل يتحنك ويجول في العدو كأعظم الشجعان ويقوم كأثبت الفرسان ويكبر تكبيرا أنكى في العدو من كثير من الفتك بهم ويخوض فيهم خوض رجل لا يخاف الموت

وحدثوا أنهم رأوا منه في فتح عكة أمورا من الشجاعة يعجز الواصف عن وصفها.

قالوا ولقد كان السبب في تملك المسلمين إياها بفعله ومشورته وحسن نظره ولما ظهر السلطان غازان على دمشق المحروسة جاءه ملك الكرج وبذل له أموالا كثيرة جزيلة على أن يمكنه من الفتك بالمسلمين من أهل دمشق ووصل الخبر إلى الشيخ فقام من فوره وشجع المسلمين ورغبهم في الشهادة ووعدهم على قيامهم بالنصر والظفر والأمن وزوال الخوف

فانتدب منهم رجال من وجوههم وكبرائهم وذوي الأحلام منهم فخرجوا معه إلى حضرة السلطان غازان فلما رآهم السلطان قال من هؤلاء فقيل هم رؤساء دمشق فأذن لهم فحضروا بين يديه، فتقدم الشيخ – رحمه الله- أولا فلما أن رآه أوقع الله له في قلبه هيبة عظيمة حتى أدناه وأجلسه، وأخذ الشيخ في الكلام معه أولا في عكس رأيه عن تسليط المخزول ملك الكرج على المسلمين وضمن له أموالا وأخبره بحرمة دماء المسلمين وذكره ووعظه فأجابه إلى ذلك طائعا وحقنت بسببه دماء المسلمين وحميت ذراريهم وصين حريمهم.) (٣).


(١) ((طبقات الشافعية)) للسبكي (٨/ ٢٠٩).
(٢) ((طبقات الشافعية)) للسبكي (٨/ ٢١١).
(٣) ((الأعلام العلية)) للبزار. بتصرف (ص ٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>