للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الشجاعة في واحة الشعر ..]

قالوا: أشجع بيت قاله العرب قول العباس بن مرداس السلمي:

أشد على الكتيبة لا أبالي ... أحتفي كان فيها أم سواها

وقد مدح الشعراء الشجاعة وأهلها، وأوسعوا في ذلك، فمن ذلك قول المتنبي:

شجاعٌ كأن الحرب عاشقةٌ له ... إذا زارها فدته بالخيل والرجل

وقال أيضا:

وكم رجالٍ بلا أرضٍ لكثرتهم ... تركت جمعهم أرضاً بلا رجل

ما زال طرفك يجري في دمائهم ... حتى مشى بك مشى الشارب الثمل

وقال العماد الأصفهاني:

قوم إذا لبسوا الحديد إلى الوغى ... لبس الحداد عدوهم في المهرب

المصدرون الدهم عن ورد الوغى ... شقراً تجلل بالعجاج الأشهب

وقال أبو الفرج الببغاء:

واليوم من غسق العجاجة ليلةٌ ... والكر يخرق سجفها الممدودا

وعلى الصفاح من الكفاح وصدقه ... ردعٌ أحال بياضها توريدا

والطعن يغصب الجياد شياتها ... والضرب يقدح في التليل وقودا

وعلى النفوس من الحمام طلائعٌ ... والخوف ينشد صبرها المفقودا

وأجل ما عند الفوارس حثها ... في طاعة الهرب الجياد القودا

حتى إذا ما فارق الرأي الهوى ... وغدا اليقين على الظنون شهيدا

لم يغن غير أبي شجاعٍ والعلا ... عنه تناجي النصر والتأييدا

وقال آخر

من كل متسع الأخلاق مبتسم ... للخطب إن ضاقت الأخلاق والحيل

يسعى به البرق إلا أنه فرسٌ ... في صورة الموت إلا أنه رجل

يلقى الرماح بصدرٍ منه ليس له ... ظهرٌ وهادي جوادٍ ما له كفل

وقال البحتري:

معشر أمسكت حلومهم الأر ... ض وكادت لولاهم أن تميدا

فإذا الجدب جاء كانوا غيوثا ... وإذا النقع ثار ثاروا أسودا

وكأن الإله قال لهم في ال ... حرب كونوا حجارةً أو حديدا

وقال مسلم:

لو أن قوما يخلقون منيةً ... من بأسهم كانوا بني جبريلا

قوم إذا حمي الوطيس لديهم ... جعلوا الجماجم للسيوف مقيلا

وقال آخر:

عقبان روع والسروج وكورها ... وليوث حربٍ والقنا آجام

وبدور تم والشوائك في الوغى ... هالاتها والسابري غمام

جادوا بممنوع التلاد وجودوا ... ضربا تخد به الطلا والهام

وتجاورت أسيافهم وجيادهم ... فالأرض تمطر والسماء تغام

وقال آخر:

قوم شراب سيوفهم ورماحهم ... في كل معتركٍ دم الأشراف

رجعت إليهم خيلهم بمعاشرٍ ... كل لكل جسيم أمرٍ كاف

يتحننون إلى لقاء عدوهم ... كتحنن الألاف للألاف

ويباشرون ظبا السيوف بأنفسٍ ... أمضى وأقطع من ظبا الأسياف

وقال ابن حيوس:

إن ترد خبر حالهم عن قريبٍ ... فأتهم يوم نائلٍ أو نزال

تلق بيض الوجوه سود مثار ال ... نقع خضر الأكناف حمر النصال (١).

وقال مسلم بن الوليد الأنصاري في يزيد بن مزيد:

تلقى المنية في أمثال عدتها ... كالسيل يقذف جلموداً بجلمود

بجود بالنفس إذ ظن الجواد بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود (٢). ...


(١) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (٣/ ٢١١).
(٢) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (١/ ١٠٨ - ١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>