للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مدح الشهامة والترغيب عليها من القرآن والسنة]

مدح الشهامة في القرآن الكريم:

- قال تعالى: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص: ٢٤].

قال ابن عطية: (استعمال السؤال بالخطب إنما هو في مصاب أو مضطهد أو من يشفق عليه أو يأتي بمنكر من الأمر فكأنه بالجملة في شر فأخبرتاه بخبرهما) (١).

قال الحجازي: (فثار موسى، وتحركت فيه عوامل الشهامة والرجولة، وسقى لهما، وأدلى بدلوه بين دلاء الرجال حتى شربت ماشيتهما) (٢).

- وقال سبحانه: وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء: ١٠٤].

قال السعدي: (ذكر - سبحانه - ما يقوي قلوب المؤمنين، فذكر شيئين: الأول: أن ما يصيبكم من الألم والتعب والجراح ونحو ذلك فإنه يصيب أعداءكم، فليس من المروءة الإنسانية والشهامة الإسلامية أن تكونوا أضعف منهم، وأنتم وإياهم قد تساويتم فيما يوجب ذلك، لأن العادة الجارية لا يضعف إلا من توالت عليه الآلام وانتصر عليه الأعداء على الدوام، لا من يدال مرة، ويدال عليه أخرى) (٣).

الترغيب على الشهامة من السنة النبوية:

- عن أنس رضي الله عنه، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، قال: وقد فزع أهل المدينة ليلة سمعوا صوتا، قال: فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم على فرس لأبي طلحة عري، وهو متقلد سيفه، فقال: لم تراعوا، لم تراعوا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجدته بحرا. يعني الفرس)) (٤).

قال القرطبي: (في هذا الحديث ما يدلُّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد جمع له من جودة ركوب الخيل، والشجاعة، والشهامة، والانتهاض الغائي في الحروب، والفروسية وأهوالها، ما لم يكن عند أحد من الناس، ولذلك قال أصحابه عنه: إنه كان أشجع الناس، وأجرأ الناس في حال الباس، ولذلك قالوا: إن الشجاع منهم كان الذي يلوذ بجنابه إذا التحمت الحروب، وناهيك به؛ فإنَّه ما ولَّى قطٌّ منهزمًا، ولا تحدَّث أحد عنه قط بفرار) (٥).

- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدبارا، قال: اللهم سبع كسبع يوسف، فأخذتهم سنة حصت كل شيء، حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف، وينظر أحدهم إلى السماء، فيرى الدخان من الجوع، فأتاه أبو سفيان، فقال: يا محمد، إنك تأمر بطاعة الله، وبصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم)) (٦).

قال ابن حجر: (قوله فقيل يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت إنما قال لمضر لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكان مكة فسرى القحط إلى من حولهم فحسن أن يطلب الدعاء لهم ولعل السائل عدل عن التعبير بقريش لئلا يذكرهم فيذكر بجرمهم فقال لمضر ليندرجوا فيهم ويشير أيضا إلى أن غير المدعو عليهم قد هلكوا بجريرتهم وقد وقع في الرواية الأخيرة وإن قومك هلكوا ولا منافاة بينهما لأن مضر أيضا قومه وقد تقدم في المناقب أنه صلى الله عليه وسلم كان من مضر قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمضر إنك لجريء أي أتأمرني أن أستسقي لمضر مع ما هم عليه من المعصية والإشراك به) (٧).

ووجه الشهامة في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رغم عداوة قريش وإيذائها للمؤمنين، لما جاءه أبو سفيان يطلب منه الاستسقاء لم يرفض لحسن خلقه وشهامته ورغبته في هدايتهم فإن الشهامة ومكارم الأخلاق مع الأعداء لها أثر كبير في ذهاب العداوة أو تخفيفها.


(١) (([١٣٦٠] ((المحرر الوجيز)) لابن عطية (٤/ ٢٨٣).
(٢) (([١٣٦١] ((التفسير الواضح)) للحجازي محمد محمود (٢/ ٨٢٥).
(٣) (([١٣٦٢] ((تسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (ص: ١٩٩).
(٤) (([١٣٦٣] رواه البخاري (٣٠٤٠) واللفظ له ومسلم (٢٣٠٧).
(٥) (([١٣٦٤] ((المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم)) للقرطبي (٦/ ١٠٠).
(٦) (([١٣٦٥] رواه البخاري (١٠٠٧) ومسلم (٢٧٩٨). واللفظ للبخاري.
(٧) (([١٣٦٦] ((فتح الباري)) لابن حجر (٨/ ٥٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>