للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أقسام الصبر]

ينقسم الصبر بعدة اعتبارات:

- فباعتبار محله ينقسم إلى ضربين:

(ضرب بدني وضرب نفساني، وكل منهما نوعان: اختياري واضطراري، فهذه أربعة أقسام:

الأول: البدني الاختياري كتعاطي الأعمال الشاقة على البدن اختياراً وإرادة.

الثاني: البدني الاضطراري كالصبر على ألم الضرب والمرض والجراحات، والبرد والحر وغير ذلك.

الثالث: النفساني الاختياري، كصبر النفس عن فعل ما لا يحسن فعله شرعا ولا عقلا.

الرابع: النفساني الاضطراري، كصبر النفس عن محبوبها قهراً إذا حيل بينها وبينه.

فإذا عرفت هذه الأقسام فهي مختصة بنوع الإنسان دون البهائم ومشاركة للبهائم في نوعين منها وهما: صبر البدن والنفس الاضطراريين، وقد يكون بعضها أقوى صبراً من الإنسان، وإنما يتميز الإنسان عنها بالنوعين الاختياريين، وكثير من الناس تكون قوة صبره في النوع الذي يشارك فيه البهائم لا في النوع الذي يخص الإنسان فيعد صابراً وليس من الصابرين ... فالإنسان منا إذا غلب صبره باعث الهوى والشهوة التحق بالملائكة، وإن غلب باعث الهوى والشهوة صبره التحق بالشياطين وإن غلب باعث طبعه من الأكل والشرب والجماع صبره التحق بالبهائم – قال قتادة: خلق الله سبحانه الملائكة عقولا بلا شهوات وخلق البهائم شهوات بلا عقول، وخلق الإنسان وجعل له عقلا وشهوة، فمن غلب عقله شهوته فهو من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو كالبهائم، ولما خلق الإنسان في ابتداء أمره ناقصا لم يخلق فيه إلا شهوة الغذاء الذي هو محتاج إليه، فصبره في هذه الحال بمنزلة صبر البهائم، وليس له قبل تمييزه قوة الاختيار، فإذا ظهرت فيه شهوة اللعب استعد لقوة الصبر الاختياري على ضعفها فيه، فإذا تعلقت به شهوة النكاح ظهرت فيه قوة الصبر، وإذا تحرك سلطان العقل وقوي، استعان بجيش الصبر) (١).

- وباعتبار متعلقه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

(صبر على الأوامر والطاعات حتى يؤديها، وصبر عن المناهي والمخالفات حتى لا يقع فيها، وصبر على الأقدار والأقضية حتى لا يتسخطها ...

فأما الذي من جهة الرب فهو أن الله تعالى له على عبده حكمان: حكم شرعي ديني. وحكم كوني قدري. فالشرعي متعلق بأمره. والكوني متعلق بخلقه، وهو سبحانه له الخلق والأمر. وحكمه الديني الطلبي نوعان بحسب المطلوب، فإن المطلوب إن كان محبوبا له فالمطلوب فعله إما واجبا وإما مستحبا. ولا يتم ذلك إلا بالصبر. وإن كان مبغوضاً له فالمطلوب تركه إما تحريما وإما كراهة. وذلك أيضا موقوف على الصبر. فهذا حكمه الديني الشرعي. وأما حكمه الكوني فهو ما يقضيه ويقدره على العبد من المصائب التي لا صنع له فيها، ففرضه الصبر عليها وفي وجوب الرضا بها قولان للعلماء وهما وجهان في مذهب أحمد أصحهما أنه مستحب فمرجع الدين كله إلى هذه القواعد الثلاث: فعل المأمور وترك المحظور. والصبر على المقدور وأما الذي من جهة العبد فإنه لا ينفك عن هذه الثلاث ما دام مكلفا ولا تسقط عنه هذه الثلاث حتى يسقط عنه التكليف. فقيام عبودية الأمر والنهي والقدر على ساق الصبر. ولا تستوي إلا عليه كما لا تستوي السنبلة إلا على ساقها.

فالصبر متعلق بالأمور والمحظور والمقدور بالخلق والأمر) (٢).

- وباعتبار تعلق الأحكام الخمسة به ينقسم إلى خمسة أقسام:

(إلى واجب ومندوب ومحظور ومكروه ومباح.

فالصبر الواجب ثلاثة أنواع:

أحدها: الصبر عن المحرمات.

والثاني: الصبر على أداء الواجبات.

والثالث الصبر على المصائب التي لا صنع للعبد فيها، كالأمراض والفقر وغيرها.


(١) ((عدة الصابرين)) لابن قيم الجوزية – بتصرف- (ص: ٤٣)
(٢) ((عدة الصابرين)) لابن قيم الجوزية – بتصرف- (ص: ٥٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>