للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٩ - الصبر:]

قال ابن قيم الجوزية رحمه لله: (حسن الخلق يقوم على أربعة أركان، لا يتصور قيام ساقه إلا عليها: الصبر، والعفة، والشجاعة، والعدل) (١).

وقال: (وهو على ثلاثة أنواع: صبر بالله، وصبر لله، وصبر مع الله.

فالأول: صبر الاستعانة به، ورؤيته أنه هو المصبر، وأن صبر العبد بربه لا بنفسه كما قال تعالى: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ [النحل: ١٢٧].

والثاني: الصبر لله، وهو أن يكون الباعث له على الصبر محبة الله، وإرادة وجهه، والتقرب إليه لا لإظهار قوة النفس، والاستحماد إلى الخلق.

الثالث: الصبر مع الله، وهو دوران العبد مع مراد الله الديني منه، ومع أحكامه الدينية. صابراً نفسه معها، سائراً بسيرها .. أين ما توجهت ركائبها) (٢).

(والشكوى إلى الله عز وجل لا تنافي الصبر، فإن يعقوب عليه السلام قال: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ [يوسف: ٨٦].

إنما ينافي الصبر شكوى الله، لا الشكوى إلى الله) (٣) كما هو حال بعض المسيئين الأدب في شكواهم وتسخطهم من قضاء الله وقدره، فالله المستعان.

وقال الماوردي: (وليس لمن قل صبره على طاعة الله تعالى حظ من بر، ولا نصيب من صلاح، ومن لم ير لنفسه صبراً، يكسبها ثواباً، ويدفع عنها عقاباً، كان مع سوء الاختيار بعيداً من الرشاد، حقيقاً بالضلال) (٤).

وعلى العاقل احتساب الأجر عند الله عز وجل، فهذا الأمر من أعظم ما يعين على اكتساب الأخلاق الفاضلة، وتحمل أذى الناس؛ فإذا أيقن المسلم أن الله سيجزيه على حسن خلقه ومجاهدته؛ سيهون عليه ما يلقاه في ذلك السبيل؛ قال تعالى: وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النحل: ٩٦].

وقال سبحانه: وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا [الإنسان: ١٢].


(١) ((مدارج السالكين)) (٢/ ٢٩٤).
(٢) ((مدارج السالكين)) (٢/ ١٥٦).
(٣) ((مدارج السالكين)) (٢/ ١٦٠) بتصرف.
(٤) ((أدب الدنيا والدين)) (ص: ٤٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>