للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[عظمة الصدق]

ذكر ابن القيم من الفوائد المستنبطة من قصة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك قال: (ومنها عظم مقدار الصدق وتعليق سعادة الدنيا والآخرة والنجاة من شرهما به فما أنجى الله من أنجاه إلا بالصدق ولا أهلك من أهلكه إلا أمر الله سبحانه عباده المؤمنين أن يكونوا مع الصادقين فقال يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: ١١٩]. وقد قسم سبحانه الخلق إلى قسمين سعداء وأشقياء فجعل السعداء هم أهل الصدق والتصديق والأشقياء هم أهل الكذب والتكذيب وهو تقسيم حاصر مطرد منعكس. فالسعادة دائرة مع الصدق والتصديق والشقاوة دائرة مع الكذب والتكذيب. وأخبر سبحانه وتعالى: أنه لا ينفع العباد يوم القيامة إلا صدقهم. وجعل علم المنافقين الذي تميزوا به هو الكذب في أقوالهم وأفعالهم فجميع ما نعاه عليهم أصله الكذب في القول والفعل فالصدق بريد الإيمان ودليله ومركبه وسائقه وقائده وحليته ولباسه بل هو لبه وروحه. والكذب بريد الكفر والنفاق ودليله ومركبه وسائقه وقائده وحليته ولباسه ولبه فمضادة الكذب للإيمان كمضادة الشرك للتوحيد فلا يجتمع الكذب والإيمان إلا ويطرد أحدهما صاحبه ويستقر موضعه والله سبحانه أنجى الثلاثة بصدقهم وأهلك غيرهم من المخلفين بكذبهم فما أنعم الله على عبد بعد الإسلام بنعمة أفضل من الصدق الذي هو غذاء الإسلام وحياته ولا ابتلاه ببلية أعظم من الكذب الذي هو مرض الإسلام وفساده والله المستعان) (١).


(١) ((زاد المعاد)) لابن القيم (٣/ ٤٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>