للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأمور التي تخل بالصدق]

هذه بعض الآفات التي تخل بصدق المسلم، وتوهن أركان الصدق في شخصيته؛ ولذا يجب الحذر منها، ومجاهدة النفس على الابتعاد عنها، والتخلص منها، ومن هذه الأمور:

١ - الكذب الخفي:

الرياء، وهو الشرك الخفي، الذي تختلف فيه سريرة المرء عن علانيته، وظاهره عن باطنه، قال صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس، اتقوا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل. قالوا: وكيف نتقيه يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه)) (١).

٢ - الابتداع:

إن من كمال الصدق حسن الاتباع، وبقدر استمساك المرء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم يكون صدقه مع ربه: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي [آل عمران: ٣١]، أي: إن كنتم صادقين في محبتكم لربكم اتبعوا سنة رسولكم صلى الله عليه وسلم، فعلامة صدق المحبة كمال الاتباع؛ ولهذا (كانت الصديقيَّة: كمال الإخلاص والانقياد، والمتابعة للخبر والأمر، ظاهراً وباطناً).

٣ - كثرة الكلام:

من كثر كلامه كثر سقطه؛ إذ لا يخلو – في كثير من الأحيان – من التزيد واللغو أو الهذر الذي إذا لم يضر فإنه لا ينفع، وقد قال الله تعالى: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: ١١٤].

ومن الكذب أن يحدث الإنسان بكل ما يسمع من أحاديث وأخبار دون تحرير لها ولا تنقيح؛ لأنه بتهاونه وإهماله وعدم تحريه الصدق في الأخبار يساهم في نشر الأكاذيب وإشاعتها؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع)) (٢).

٤ - مداهنة النفس:

الاسترسال مع النفس في أهوائها وشهواتها، ليست من صفات الصادقين؛ ولهذا قيل: (لا يشم رائحة الصدق عبد داهن نفسه أو غيره) (٣). فكلما ألجمها بلجام المجاهدة وزمها بزمام المراقبة والمحاسبة ثبتت على الصدق قدمه.

٥ - التناقض بين القول والعمل:

لقد عد بعض السلف مخالفة عمل المرء لقوله أمارة كذب ونفاق. قال إبراهيم التيمي: (ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذباً) (٤) (٥).


(١) رواه أحمد (٤/ ٤٠٣) (١٩٦٢٢)، وابن أبي شيبة (٦/ ٧٠) (٢٩٥٤٧)، والطبراني في ((الأوسط)) (٤/ ١٠) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ٢٢٦): رجاله رجال الصحيح غير أبي علي ووثقه ابن حبان. وحسنه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (٣٦).
(٢) رواه مسلم في المقدمة (باب النهي عن الحديث بكل ما سمع).
(٣) ((المدارج)) (٢/ ٣١١).
(٤) رواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم قبل حديث (٤٨)، ووصله ابن أبي شيبة (٧/ ١٦٠) (٣٤٩٧٠)، واللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) (١٥٨٠).
(٥) ((الرائد .. دروس في التربية والدعوة)) لمازن بن عبد الكريم الفريح (٣/ ٢٥٥). بتصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>