للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أسباب علو الهمة]

(إن الارتقاء بالهمة والعلو بها عن السفاسف يحتاج إلى جهد ومجاهدة وصبر ومصابرة، وهناك بعض الأسباب التي لها أثر كبير في كبر الهمة وارتفاعها:

١ - العلم:

العلم يعلي الهمة، ويرفع طالبه به، قال الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: ١١]، فهو يرشد طالبه إلى العمل ويحث عليه، كما يعرفه بمخاطر الطريق وعوائق السبيل، ويحذره من آفات القعود وأمراض الجمود.

فكلما ازداد العلم وخلصت النية علت الهمة وازداد العمل؛ ولهذا كانت همم العلماء الصادقين أكبر من غيرهم عملا ودعوة وجهاداً.

٢ - الذكر:

من أفضل أسباب قوة القلب، وعلو همته ذكر الله ودوام الصلة به بأنواع العبادات، قال الإمام ابن القيم – رحمه الله – وهو يعدد فوائد الذكر:

(السادسة عشرة: أنه يورث حياة القلب.

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية – قدس الله تعالى روحه – يقول: الذكر للقلب مثل الماء للسمك؛ فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء؟!

السابعة عشرة: أنه قوت القلب والروح، فإذا فقده العبد صار بمنزلة الجسم إذا حيل بينه وبين قوته).

٣ - الدعاء:

وهو من خير الأسلحة التي يقاوم بها فتور الهمة وضعف العزيمة.

ولذلك كان يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل ... )) (١).

٤ - تذكر اليوم الآخر:

تذكر الموت وسكراته، والقبر وضمته، والحشر وكربته والصراط وزلته. هذه المواقف تبعث في القلب الهمة .. توقظه عن غفلته، وتبعثه من رقدته وسكرته؛ ولذا كان من أسلوب القرآن للحث على العمل وبعث الهمم التذكير باليوم الآخر وبالجنة والنار. تدبر قوله – عز وجل - وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: ١٣٣]، وكان صلى الله عليه وسلم يذكر أصحابه بالجنة والنار كما روى ذلك الإمام مسلم في صحيحه عن طلحة الأسدي) (٢).

٥ - طبيعة الإنسان:

(فهناك من الناس من جبل على علو الهمة، فلا يرضى بالدون، ولا يقنع بالقليل، ولا يلتفت إلى الصغائر، ولا تغدو بلبه الدنايا ومحقرات الأمور.

ولهذا قيل: ذو الهمة إن حط فنفسه تأبى إلا علواً، كالشعلة في النار يصوبها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعاً (٣).

قال عمر بن عبد العزيز: إن لي نفساً تواقة؛ لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلما نلتها تاقت إلى الخلافة، فلما نلتها تاقت إلى الجنة! (٤)

٦ - أثر الوالدين، ودورهما في التربية الصحيحة:

فأثر الوالدين في التربية عظيم، ودورهما في إعلاء همم الأولاد خطير وجسيم؛ فإذا كان الوالدان قدوة في الخير، وحرصا على تربية الأولاد، واجتهدا في تنشئتهم على كريم الخلال وحميد الخصال، مع تجنيبهم ما ينافي ذلك من مساوئ الأخلاق ومرذول الأعمال – فإن لذلك أثراً عظيماً في نفوس الأولاد؛ لأن الأولاد سيشبون – بإذن الله – متعشقين للبطولة، محبين لمعالي الأمور، متصفين بمكارم الأخلاق، مبغضين لسفساف الأمور، نافرين عن مساوئ الأخلاق.

٧ - النشأة في مجتمع مليء بالقمم:

فمن بواعث الهمة، ومهيئات النبوع – أن يشب الناشئ الذكي في مجتمع مليء بالقمم الحقيقية من الأبطال المجاهدين، والعلماء العاملين؛ فهذا مما يحرك همته، ويبعث عزمته؛ كي يحذو حذوهم، ويسير على نولهم.

٨ - تقديم النوابغ، ورعاية المواهب:


(١) رواه البخاري (٦٣٦٩).
(٢) من ١ - ٤ من كتاب ((الرائد .. دروس في التربية والدعوة)) (٤/ ٢٦٥) باختصار.
(٣) ((عيون الأخبار)) (١/ ٢٣٣).
(٤) ((عيون الأخبار)) (١/ ٢٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>