للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نماذج للصحابة في القناعة:]

لقد سار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما كان عليه واتبعوا آثاره، وتخلقوا بأخلاقه، وعاشوا التقشف والزهد في أول أمرهم نظراً لقلة ذات اليد، ثم انتشر الإسلام وجاءتهم الغنائم وفتح الله عليهم، فلم تؤثر هذه الأموال التي اكتسبوها من الغنائم على زهدهم، بل استمروا على ما هم فيه من قناعة وتقشف، وهنا نذكر بعض النماذج من قناعة الصحابة وبعدهم عن الطمع:

- وعن عائشة قالت: (من حدثكم أنا كنا نشبع من التمر فقد كذبكم فلما افتتح صلى الله عليه وسلم قريظة أصبنا شيئا من التمر والودك) (١).

- وعن عامر بن عبد الله أن سلمان الخير حين حضره الموت عرفوا منه بعض الجزع قالوا ما يجزعك يا أبا عبد الله وقد كانت لك سابقةٌ في الخير شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مغازي حسنةً وفتوحًا عظامًا قال يجزعني أن حبيبنا صلى الله عليه وسلم حين فارقنا عهد إلينا قال: (ليكف اليوم منكم كزاد الراكب" فهذا الذي أجزعني فجمع مال سلمان فكان قيمته خمسة عشر دينارا) (٢).

- وعن أبي العالية: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: ((من تكفل لي أن لا يسأل أحداً شيئاً، وأتكفل له بالجنة؟ فقال ثوبان: أنا. فكان لا يسأل أحداً شيئاً)) (٣).

- وعن أبي هريرة، قال: (لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجلٌ عليه رداءٌ، إما إزارٌ وإما كساءٌ، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده، كراهية أن ترى عورته) (٤).

- وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - قوله: (لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة يشعر بأنهم كانوا أكثر من سبعين وهؤلاء الذين رآهم أبو هريرة غير السبعين الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بئر معونة وكانوا من أهل الصفة أيضًا لكنهم استشهدوا قبل إسلام أبي هريرة (٥)

- وعن الحسن قال: (كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان أميرا على زهاء ثلاثين ألفا من المسلمين، وكان يخطب في عباءة يفترش نصفها ويلبس نصفها، فإذا خرج عطاؤه تصدق به، وأكل من سفيف يده) (٦).

- و (التقى عبد الرحمن بن عوف وأبو ذر الغفاري، فقبل عبد الرحمن ما بين عيني أبي ذر لكثرة سجوده، وقبل أبو ذر يمين عبد الرحمن لكثرة صدقته. فلما افترقا بعث عبد الرحمن إليه ببدرة، وقال لغلامه: إن قبلها منك فأنت حر. فأبى أن يقبلها، فقال الغلام: اقبل رحمك الله فإن في قبولها عتقي، فقال أبو ذر: إن كان عتقك فيه ففيه رقي، ورده) (٧).


(١) رواه ابن حبان (٢/ ٤٦٠) (٦٨٤)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٤/ ٩٦). والحديث صححه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (٣٢٧٨)، وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيق (صحيح ابن حبان): إسناده قوي.
(٢) رواه ابن حبان (٢/ ٤٨١) (٧٠٦)، والطبراني (٦/ ٢٦٨) (٦١٨٢)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (٢٦/ ٣)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٤/ ١١٢). والحديث صححه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (٣٣١٩)، وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيق ((صحيح ابن حبان)): إسناده صحيح. والحديث رواه ابن ماجه (٣٣٢٨) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه بلفظ: (قال اشتكى سلمان. فعاده سعد. فرآه يبكي. فقال له سعد ما يبكيك؟ يا أخي أليس قد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أليس أليس؟ قال سلمان ما أبكي واحدة من اثنتين. ما أبكى ضنا للدنيا ولا كراهية للآخرة. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا. فما أراني إلا قد تعديت. قال وما عهد إليك؟ قال عهد إلي أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب. ولا أراني إلا قد تعديت. وأما أنت يا سعد فاتق الله عند حكمك إذا حكمت وعند قسمك إذا قسمت وعند همك إذا هممت. قال ثابت فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهما. من نفقة كانت عنده). وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(٣) رواه أبو داود (١٦٤٣)، وأحمد (٥/ ٢٧٦) (٢٢٤٢٨)، والطبراني (٢/ ٩٨) (١٤٣٣)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (٣/ ٢٧٢) (٣٥٢١). من حديث ثوبان رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وصحح إسناده ابن جرير في ((مسند عمر)) (١/ ٣٠)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٢/ ٣٩)، والنووي في ((رياض الصالحين)) (٢٣٧)، وصححه الألباني ((صحيح سنن أبي داود)).
(٤) رواه البخاري (٤٤٢).
(٥) ((فتح الباري)) لابن حجر (١/ ٥٣٦).
(٦) رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (١/ ١٩٧ - ١٩٨)، ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (٢١/ ٤٣٤).
(٧) ((ربيع الأبرار)) للزمخشري (٥/ ٣٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>