للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ضوابط في النصيحة]

١ - الإخلاص في النصيحة:

على الناصح أن يرجو بنصيحته وجه الله تبارك وتعالى فلا يقصد بنصيحته الأغراض الدنيوية من رياء، وسمعة، وحب شهرة وغيرها.

قال تعالى: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر: ٣].

وقال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة: ٥]

وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) (١).

٢ - العلم بما ينصح به:

الذي يقوم بالنصيحة لا ينصح في أمر يجهله، بل لا بد أن يكون عالماً بما ينصح به، ولديه علم شرعي وأدلة من الكتاب والسنة في الجانب الذي يتكلم فيه، قال تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء: ٣٦].

٣ - أن لا يجهر بنصيحته:

أن يكون مسراً بنصيحته فلا ينصح أمام الملأ جهراً:

قال الشافعي:

تعمدني بنصحك في انفرادي ... وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع ... من التوبيخ لا أرضى استماعه

وإن خالفتني وعصيت قولي

... فلا تجزع إذا لم تعط طاعة (٢)

وقال أيضاً: (من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه) (٣).

وعن سليمان الخواص قال: (من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما فضحه) (٤).

وقال ابن رجب: (وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد، وعظوه سرا حتى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبخه) (٥).

وقال ابن حزم: (إذا نصحت فانصح سراً لا جهراً أو بتعريض لا بتصريح إلا لمن لا يفهم، فلا بد من التصريح له) (٦).

٤ - أن يراعى الوقت والمكان المناسب:

قال علي رضي الله عنه: (إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان: فابتغوا لها طرائف الحكمة) (٧).

وقال عبد الله بن مسعود: (إن للقلوب شهوة وإقبالا، وفترة وإدبارا فخذوها عند شهوتها وإقبالها، وذروها عند فترتها وإدبارها) (٨).

٥ - اللين والرفق في النصيحة:

أن تكون النصيحة بالرفق واللين والأسلوب الحسن، مع انتقاء الألفاظ المحببة، وعدم استخدام الأساليب المنفرة، قال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: ١٢٥].

وقال سبحانه: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء: ٥٣].

فعن ثابت، أن صلة بن أشيم، وأصحابه أبصروا رجلا قد أسبل إزاره فأراد أصحابه أن يأخذوه بألسنتهم، فقال صلة: (دعوني أكفيكموه، فقال: يا ابن أخي إن لي إليك حاجة، قال: فما ذاك يا عم؟ قال: ترفع إزارك، قال: نعم، ونعمة عين، فقال لأصحابه: هذا كان مثل لو أخذتموه بشدة؟، قال: لا أفعل، وفعل) (٩).

٦ - أن لا تكون النصيحة على شرط القبول:

قال ابن حزم: (ولا تنصح على شرط القبول منك، فإن تعديت هذه الوجوه، فأنت ظالم لا ناصح، وطالب طاعة لا مؤدي حق ديانة وأخوة، وليس هذا حكم العقل ولا حكم الصداقة، ولكن حكم الأمير مع رعيته والسيد مع عبيده) (١٠).


(١) رواه البخاري (١).
(٢) ((صيد الأفكار)) لحسين المهدي (٢/ ٦٠).
(٣) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (٢/ ١٨٢).
(٤) ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) لابن أبي الدنيا (ص ٩٩).
(٥) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (١/ ٢٢٤).
(٦) ((رسائل ابن حزم)) (ص ٣٦٤).
(٧) ((أدب المجالسة وحمد اللسان)) لابن عبد البر (ص١٠٧)، و ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (٢/ ١٠٠).
(٨) رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (١/ ١٣٤).
(٩) رواه ابن أبي الدنيا في ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) (ص٩٠).
(١٠) ((رسائل ابن حزم)) (ص ٣٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>