للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صور الوفاء]

الوفاء خلق إسلامي رفيع وله صور وأنواع عدة منها:

١ - الوفاء بالعهد الذي بين العبد وربه:

(فالعهود التي يرتبط المسلم بها درجات، فأعلاها مكانة، وأقدسها ذماماً، العهد الأعظم، الذي بين العبد ورب العالمين. فإن الله خلق الإنسان بقدرته، ورباه بنعمته، وطلب منه أن يعرف هذه الحقيقة، وأن يعترف بها، وألا تشرد به المغويات، فيجهلها أو يجحدها قال تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ [يس: ٦٠]) (١).

٢ - الوفاء في سداد الدين:

اهتم الإسلام بالدَّين لأن أمره عظيم، وشأنه جسيم، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على قضاء الدين، وكان لا يصلي على الميت إذا كان عليه دين حتى يُقضى عنه. وقد قال: ((من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله)) (٢).

٣ - الوفاء بشروط عقد النكاح:

قال صلى الله عليه وسلم: ((أحقُّ الشروط أن توفُّوا به ما استحللتُم به الفروج)) (٣).

قال الخطابي: (الشروط في النكاح مختلفة فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقا وهو ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وعليه حمل بعضهم هذا الحديث، ومنها ما لا يوفى به اتفاقا كسؤال طلاق أختها ... ومنها ما اختلف فيه كاشتراط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله) (٤).

٤ - الوفاء بين الزوجين:

الوفاء بين الزوجين يجعل الأسر مستقرة والبيوت مطمئنة، فيكون رابط الوفاء بينهما في حال الشدة والرخاء وفي العسر واليسر.

٥ - الوفاء بإعطاء الأجير أجره:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)) (٥).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعط أجره)) (٦).

٦ - وفاء العامل بعمله:

وذلك بأن يعمل العامل ويعطي العمل حقه باستيفائه خالياً من الغش والتدليس، فعن عاصم بن كليب الجرمي قال: حدثني أبي كليب ((أنه شهد مع أبيه جنازة شهدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا غلام أعقل وأفهم، فانتهى بالجنازة إلى القبر ولم يمكن لها، قال: فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: سووا لحد هذا. حتى ظن الناس أنه سنة، فالتفت إليهم فقال: أما إن هذا لا ينفع الميت ولا يضره، ولكن الله يحب من العامل إذا عمل أن يحسن)) (٧).

٧ - الوفاء بالنذر:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)) (٨) ويجب الوفاء بالنذر إذا كان نذر طاعة.

٨ - الوفاء بما التزم به من بيع أو إجارة:

(الوفاء بما التزم به من بيع أو إجارة، وغير ذلك من المعاملات المالية ما دامت مشروعة يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ [المائدة:١] وسواء كانت هذه العقود مبرمة بين المسلم والمسلم، أو المسلم وغير المسلم) (٩).

٩ - الوفاء بما التزم به الولاة والأمراء من العهود والمواثيق في علاقاتهم مع الدول.


(١) ((خلق المسلم)) لمحمد الغزالي (ص: ٥٠).
(٢) رواه البخاري (٢٣٨٧) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) رواه البخاري (٢٧٢١) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
(٤) ((فتح الباري)) لابن حجر (٩/ ٢١٨).
(٥) رواه ابن ماجه (٣٤٤٣) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه. ورواه أبو يعلى (٦٦٨٢)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (٨/ ١٣) (٣٠١٤)، وأبو نعيم في ((الحلية)) (٧/ ١٤٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٢٨٩٢): هذا المتن مع غرابته يكتسب بكثرة طرقه قوة. وحسن إسناده البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (٣/ ٧٥)، وجوَّد إسناده العجلوني في ((كشف الخفاء)) (١/ ١٦١).
(٦) رواه البخاري (٢٢٢٧) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٧) رواه البيهقي في ((الشعب)) (٧/ ٢٣٤) (٤٩٣٢) من حديث كليب الجرمي رضي الله عنه.
(٨) رواه البخاري (٦٦٩٦) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٩) ((الأخلاق الإسلامية)) لحسن المرسي (ص: ٢١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>