للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نماذج من وفاء النبي صلى الله عليه وسلم:]

إن الوفاء بالعهد، وعدم نسيانه أو الإغضاء عن واجبه خلق كريم، ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بالمحل الأفضل والمقام الأسمى، والمكان الأشرف، فوفاؤه ... كان مضرب المثل، وحق له ذلك وهو سيد الأوفياء (١). ويتجلى لنا وفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في صور كثيرة منها:

وفاؤه صلى الله عليه وسلم بالوعد:

فقد روى أبو داود عن عبد الله بن أبي الحمساء قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ببيع قبل أن يبعث وبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه فنسيت ثم ذكرت بعد ثلاث فجئت فإذا هو في مكانه فقال ((يا فتى لقد شققت علي أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك)) (٢).

قال صاحب كتاب (عون المعبود): (كان انتظاره صلى الله عليه وسلم لصدق وعده لا لقبض ثمنه. قال النووي: أجمعوا على أن من وعد إنسانا شيئا ليس بمنهي عنه فينبغي أن يفي بوعده، وهل ذلك واجب أو مستحب، فيه خلاف) (٣).

- وفاؤه صلى الله عليه وسلم بالعهد لعدوه:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفي بالعهود والمواثيق التي تكون بينه وبين أعداء الإسلام.

(فثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لرسولي مسيلمة الكذاب لما قالا: نقول إنه رسول الله ((لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما)) (٤). وثبت عنه أنه قال لأبي رافع وقد أرسلته إليه قريش فأراد المقام عنده وأنه لا يرجع إليهم فقال: ((إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد ولكن ارجع إلى قومك فإن كان في نفسك الذي فيها الآن فارجع)) (٥). وثبت عنه أنه رد إليهم أبا جندل للعهد الذي كان بينه وبينهم أن يرد إليهم من جاءه منهم مسلما) (٦).

- وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي حسيل. قال: فأخذنا كفار قريش. قالوا: إنكم تريدون محمدا؟ فقلنا: ما نريده. ما نريد إلا المدينة. فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه. فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر. فقال: ((انصرفا. نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم)) (٧).

وفاءه صلى الله عليه وسلم لزوجاته:

فمن وفائه صلى الله عليه وسلم كان يكرم صديقات زوجته خديجة رضي الله عنها بعد موتها، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بالشيء يقول ((اذهبوا به إلى فلانة فإنها كانت صديقة خديجة اذهبوا به إلى بيت فلانة فإنها كانت تحب خديجة)) (٨).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما غرت على أحد من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما بي أن أكون أدركتها وما ذاك لكثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان ليذبح الشاة فيتتبع بها صدائق خديجة فيهديها لهن)) (٩).


(١) ((هذا الحبيب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يا محب)) لأبي بكر الجزائري (ص ٥٥٦).
(٢) رواه أبو داود (٤٩٩٦)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (٢٠٨٣٥) من حديث عبد الله بن أبي الحمساء رضي الله عنه. وضعفه الألباني في ((ضعيف الترغيب)) (١٧٧٦).
(٣) ((عون المعبود شرح سنن أبي داود)) للعظيم آبادي (١٣/ ٣٤٠).
(٤) رواه أبو داود (٢٧٦١)، وأحمد (٣/ ٤٨٧) (١٧٠٣٢) من حديث نعيم بن مسعود رضي الله عنه. قال الحاكم (٢/ ١٥٥): صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (١٣٣٩).
(٥) رواه أبو داود (٢٧٨٥)، وأحمد (٦/ ٨) (٢٣٩٠٨)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٨/ ٥٢) (٨٦٢١) من حديث أبي رافع رضي الله عنه. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (٢٦٤٤)، وصحح إسناده الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٧٠٢).
(٦) ((زاد المعاد)) لابن القيم (٥/ ٧٩).
(٧) رواه مسلم (١٧٨٧) من حديث حذيفة رضي الله عنه.
(٨) رواه البخاري في ((الأدب المفرد)) (٢٣٢)، وابن حبان (١٥/ ٤٦٧) (٧٠٠٧)، الحاكم (٤/ ١٩٣) (٧٣٣٩) من حديث أنس رضي الله عنه. وصحح إسناده الحاكم، وصححه الذهبي، وحسنه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (١٧٢).
(٩) رواه الترمذي (٢٠١٧) من حديث عائشة رضي الله عنها. وقال: حسن صحيح غريب. وصححه الألباني في ((صحيح الترمذي)).

<<  <  ج: ص:  >  >>