للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[صور البخل]

للبخل صور شتى ومظاهر متعددة فمن صوره ما يأتي:

١. البخل بالمال والمقتنيات: وهذا بدوره ينقسم إلى أقسام عدة ذكرها الراغب فقال: (البخل ثلاثة:

١. بخل الإنسان بماله

٢. وبخله بمال غيره على غيره

٣. وبخله على نفسه بمال غيره وهو أقبح الثلاثة والباخل بما بيده باخل بمال الله على نفسه وعياله إذ المال عارية بيد الإنسان مستردة ولا أحد أجهل ممن لا ينتقذ نفسه وعياله من العذاب الأليم بمال غيره سيما إذا لم يخف من صاحبه تبعة ولا ملامة والكفالة الإلهية متكفلة بتعويض المنفق، ففي الخبر اللهم اجعل لمنفق خلفا ولممسك تلفا ومن وسع وسع الله عليه) (١).

٢. البخل بالنفس: كمن يبخل بنفسه أن يقدمها في سبيل الله رخيصة, وذلك تعلقاً منه بالدنيا وحرصاً عليها, وكراهية الموت, وهو على عكس من يجود بنفسه لإعلاء كلمة الله, ونشر دينه, قال الشاعر:

يجود بالنفس إن ضن البخيل بها ... والجود بالنفس أعلى غاية الجود

ونقل ابن القيم رحمه الله عن بعض الحكماء أنه قال: (إن الإحسان المتوقع من العبد إما بماله وإما ببدنه فالبخيل مانع لنفع ماله والجبان مانع لنفع بدنه المشهور عند الناس إن البخل مستلزم الجبن من غير عكس لأن من بخل بماله فهو بنفسه أبخل والشجاعة تستلزم الكرم من غير عكس لأن من جاد بنفسه فهو بماله أسمح وأجود) ثم قال رحمه الله: (وهذا الذي قالوه ليس بلازم أكثره فإن الشجاعة والكرم وأضدادها أخلاق وغرائز قد تجمع في الرجل وقد يعطى بعضها دون بعض وقد شاهد الناس من أهل الإقدام والشجاعة والبأس من هو أبخل الناس وهذا كثيراً ما يوجد في أمة الترك, يكون أشجع من ليث وأبخل من كلب, فالرجل قد يسمح بنفسه, ويضن بماله ولهذا يقاتل عليه حتى يقتل فيبدأ بنفسه دونه فمن الناس من يسمح بنفسه وماله ومنهم من يبخل بنفسه ومنهم من يسمح بماله ويبخل بنفسه وعكسه والأقسام الأربعة موجودة في الناس) (٢).

٣. البخل بالجاه:

فترى صاحب الجاه والمنصب العلي يبخل بالمنفعة التي سيقدمها لمن يحتاجها, فلا يشفع إن طلبت منه الشفاعة, ولا يصلح إن طلب منه الصلح, ولا يسعى في حاجة الضعيف والمسكين وذي الحاجة.

٤. البخل بالعلم:

وهو من أسوأ أنواع البخل وأقبحها, بحيث يكتم صاحب العلم علمه عمن يحتاجه, فلا يعلم ولا ينصح ولا يوجه, قال الله تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء: ٣٧].

قال ابن عباس: (هي في أهل الكتاب يقول: يكتمون ويأمرون الناس بالكتمان) (٣).

وقال حضرمي: (هم اليهود بخلوا بما عندهم من العلم وكتموا ذلك).

وقال سعيد بن جبير: (كان علماء بني إسرائيل يبخلون بما عندهم من العلم وينهون العلماء أن يعلموا الناس شيئا فعيرهم الله بذلك فأنزل الله الَّذِينَ يَبْخَلُونَ الآية. وقال: هذا في العلم ليس للدنيا منه شيء) (٤).

وقال الإمام الطبري رحمه الله: (إِنَّ بُخْلَهُمُ الَّذِي وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ إِنَّمَا كَانَ بُخْلاً بِالْعِلْمِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ آتَاهُمُوهُ، فَبَخِلُوا بِتَبْيِينِهِ لِلنَّاسِ، وَكَتَمُوهُ دُونَ الْبُخْلِ بِالأَمْوَالِ) (٥).

وقال الشيخ السعدي رحمه الله: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ أي: يمنعون ما عليهم من الحقوق الواجبة. وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ بأقوالهم وأفعالهم وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أي: من العلم الذي يهتدي به الضالون ويسترشد به الجاهلون فيكتمونه عنهم، ويظهرون لهم من الباطل ما يحول بينهم وبين الحق. فجمعوا بين البخل بالمال والبخل بالعلم، وبين السعي في خسارة أنفسهم وخسارة غيرهم، وهذه هي صفات الكافرين) (٦).


(١) ((فيض القدير شرح الجامع الصغير)) للمناوي (٥/ ٤٩٦)
(٢) ((مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة)) لابن القيم (ص١١٣ - ١١٤).
(٣) رواه الطبري في ((تفسيره)) (٧/ ٤٣٩)، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (٣/ ٩٥٢).
(٤) ((الدر المنثور في التفسير بالمأثور)) للسيوطي (٢/ ٥٣٨).
(٥) ((جامع البيان)) للطبري (٧/ ٢٤).
(٦) ((تفسير السعدي)) (١/ ١٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>