للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوسائل المعينة على ترك الحسد]

ذكر العلماء وسائل للحاسد الذي يريد النجاة من مغبة هذا الخلق الذميم، ويود الخلاص من آفته التي أقضت مضجعه، ومن تلك الوسائل:

١ – أن يتبع أمر الله جل وعلا، فيترك ما نهاه الله عنه من الحسد، ويقهر نفسه عن هذا الظلم، وتغيير أخلاق النفس وإن كان صعبا إلا أنه يسير على من يسره الله عليه، متذكرا قوله تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات: ٤٠ - ٤١].

٢ - الرضا بقضاء الله وقدره، والتسليم لحكمه، فهو الذي يعطي النعم ويسلبها، قال تعالى: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ [الزخرف:٣٢].

٣ - التفكر في نتائج الحسد، والنظر في عواقبه الوخيمة عليه وعلى من حوله؛ فهو يتألم بحسده ويتنغص في نفسه، فيبقى مغموما، محروما، متشعب القلب، ضيق الصدر، قد نزل به ما يشتهيه الأعداء له ويشتهيه لأعدائه، قال تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر: ٤٣].

٤ – أن يحذر نفور الناس منه، وبعدهم عنه، وبغضهم له؛ لأن الحسد يظهر في أعمال الجوارح، قال تعالى: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران: ١١٨] فيخاف عداوتهم له وملامتهم إياه، فيتألفهم بمعالجة نفسه وسلامة صدره.

٥ – أن يعمل بنقيض ما يأمره به الحسد؛ فإن حمله الحسد على القدح في محسوده كلف لسانه المدح له والثناء عليه، وإن حمله على التكبر عليه ألزم نفسه التواضع له والاعتذار إليه، وإن بعثه على كف الإنعام عليه ألزم نفسه الزيادة في الإنعام عليه.

٦ – أن يصرف شهوة قلبه في مرضاة الله تعالى: فقد جعل الله في الطاعة والحلال ما يملأ القلب بالخير، وما من صفة من الصفات إلا وجعل لها مصرفا ومحلا ينفذها فيه، فجعل لصفة الحسد مصرفا وهو المنافسة في فعل الخير والغبطة عليه والمسابقة إليه، وجعل لصفة الكبر التي تؤدي للحسد مصرفا هو التكبر على أعداء الله تعالى وإهانتهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن رآه يختال بين الصفين في الحرب: ((إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن)) (١)، وجعل لقوة الحرص مصرفا وهو الحرص على ما ينفع، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((احرص على ما ينفعك)) (٢) (٣).


(١) ((السيرة والمغازي)) لابن إسحاق (٣٢٦).
(٢) رواه مسلم (٢٦٦٤).
(٣) انظر ((أدب الدنيا والدين)) (١/ ٢٦٩ - ٢٧٠)، و ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (٣/ ١٩٦ - ١٩٩)، و ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن قيم الجوزية (ص٤١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>