للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوسائل المعينة على دفع شر الحاسد عن المحسود]

ذكر ابن القيم عشرة أسباب تدفع شر الحاسد عن المحسود:

١ - التعوذ بالله تعالى من شره، واللجوء والتحصن به، والله تعالى سميع لاستعاذته، عليم بما يستعيذ منه، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [سورة الفلق].

٢ - تقوى الله، وحفظه عند أمره ونهيه؛ فمن اتقى الله تولى الله حفظه ولم يكله إلى غيره، قال تعالى: وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران: ١٢٠] وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ((احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك)) (١). فمن حفظ الله حفظه الله ووجده أمامه أينما توجه، ومن كان الله حافظه وأمامه فممن يخاف.

٣ - الصبر على عدوه، وألا يقاتله، ولا يشكوه، ولا يحدث نفسه بأذاه أصلا، فما نصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه والتوكل على الله، ولا يستطل تأخيره وبغيه، فإنه كلما بغى عليه كان بغيه جندا وقوة للمبغي عليه المحسود، يقاتل به الباغي نفسه وهو لا يشعر، فبغيه سهام يرميها من نفسه، وقد قال تعالى: وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ [الحج: ٦٠] فإذا كان الله قد ضمن له النصر مع أنه قد استوفى حقه أولا، فكيف بمن لم يستوف شيئا من حقه؟

٤ - التوكل على الله: مَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق: ٣] والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، فإن الله حسبه أي كافيه، ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه، ولا يضره إلا أذى لا بد منه كالحر والبرد والجوع والعطش، وأما أن يضره بما يبلغ منه مراده فلا يكون أبدا، وفرق بين الأذى الذي هو في الظاهر إيذاء له وهو في الحقيقة إحسان إليه وإضرار بنفسه، وبين الضرر الذي يتشفى به منه.

٥ - فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له، فلا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه، ولا يجعل قلبه معمورا بالفكر في حاسده والباغي عليه والطريق إلى الانتقام منه، فهذا التفكير مما لا يتسع له إلا قلب خراب لم تسكن فيه محبة الله وإجلاله وطلب مرضاته، وهذا العلاج من أنفع الأدوية وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره.

٦ - الإقبال على الله والإخلاص له، وجعل محبته وترضيه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه وأمانيها، تدب فيها دبيب الخواطر شيئا فشيئا، حتى يقهرها ويغمرها ويذهبها بالكلية، فتبقى خواطره وهواجسه وأمانيه كلها في محاب الرب، والتقرب إليه، وتملقه، وترضيه، واستعطافه، وذكره.


(١) رواه أحمد (١/ ٣٠٧) (٢٨٠٣)، والطبراني (١١/ ١٢٣) (١١٢٤٣)، والبيهقي في ((الاعتقاد)) (١٤٧)، والضياء في ((الأحاديث المختارة)) (١٠/ ٢٣) (١٣). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال البيهقي في ((الاعتقاد)): [له] شواهد عن ابن عباس، وصححه عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الشرعية الكبرى)) (٣/ ٣٣٣)، وقال ابن رجب في ((جامع العلوم والحكم)) (١/ ٤٥٩): حسن جيد، وحسنه ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (١/ ٣٢٧)، وقال السخاوي في ((المقاصد الحسنة)) (١٨٨): حسن وله شاهد، وحسنه محمد الغزي في ((إتقان ما يحسن)) (١/ ٢٠٠)، وقال السفاريني في ((شرح كتاب الشهاب)) (١١١): بمجموع أسانيده يصل إلى درجة الحسن، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (٤/ ٢٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>