للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحسد في واحة الشعر ..]

أكثر الشعراء من ذكر الحسد والحساد، وأطنبوا في وصف ذلك الخلق الذميم والتندر بأصحابه، ومن ذلك:

قال ابن المعتز:

ما عابني إلا الحسو ... د وتلك من خير المعايب

وإذا فقدت الحاسدي ... ن فقدت في الدنيا المطايب (١)

وقال محمود الوراق:

أعطيت كل الناس من نفسي الرضا ... إلا الحسود فإنه أعياني

لا أن لي ذنبا لديه علمته ... إلا تظاهر نعمة الرحمن

يطوي على حنق حشاه لأن رأى ... عندي كمال غنى وفضل بيان

ما إن أرى يرضيه إلا ذلتي ... وذهاب أموالي وقطع لساني (٢)

وقال الطغرائي:

جامل عدوك ما استطعت فإنه ... بالرفق يطمع في صلاح الفاسد

واحذر حسودك ما استطعت فإنه ... إن نمت عنه فليس عنك براقد

إن الحسود وإن أراك توددا ... منه أضر من العدو الحاقد

ولربما رضي العدو إذا رأى ... منك الجميل فصار غير معاند

ورضا الحسود زوال نعمتك التي ... أوتيتها من طارف أو تالد

فاصبر على غيظ الحسود فناره ... ترمي حشاه بالعذاب الخالد

تضفو على المحسودِ نعمةُ ربه ... ويذوبُ من كمدٍ فؤادُ الحاسدِ (٣)

وقال المعافى بن زكريا النهرواني:

ألا قل لمن كان لي حاسدا ... أتدري على من أسأت الأدب

أسأت على الله في فعله ... لأنك لم ترض لي ما وهب

فأخزاك عنه بأن زادني ... وسد عليك وجوه الطلب (٤)

وقال الطائي:

وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود

لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ما كان يعرف طيب عرف العود

لولا التخوف للعواقب لم تزل ... للحاسد النعمى على المحسود (٥)

وقال أبو الأسود:

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالقوم أعداءٌ له وخصوم

كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدا وبغيا إنه لدميم

والوجه يشرق في الظلام كأنه ... بدر منير والنساء نجوم

وترى اللبيب محسدا لم يجترم ... شتم الرجال وعرضه مشتوم

وكذاك من عظمت عليه نعمة ... حساده سيف عليه صروم

فاترك محاورة السفيه فإنها ... ندم وغب بعد ذاك وخيم (٦)

وقال آخر:

إن يحسدوني فإنّي غير لائمهم ... قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا

فدام لي ولهم ما بي وما بهم ... ومات أكثرنا غيظاً بما يجد

أنا الذي يجدوني في صدورهم ... لا أرتقي صدرا منها ولا أرد (٧)

وقال أبو الحسن التهامي:

إني لأرحم حاسدي من حر ما ... ضمت صدورهم من الأوغار

نظروا صنيع الله بي فعيونهم ... في جنة وقلوبهم في نار (٨)

وقال آخر:

كل العداوات قد ترجى مودتها ... إلا عداوة من عاداك من حسد (٩)

وقال آخر:

ما يحسد المرء إلا من فضائله ... بالعلم والظرف أو بالبأس والجود (١٠)

وقال آخر:

اصبر على حسد الحسو ... د فإن صبرك قاتله

النار تأكل بعضها ... إن لم تجد ما تأكله (١١)

وأخيراً ..

أيها القارئ العزيز هل فتشت في نفسك لتتجنب الحسد؟

وهل عرفت مساوئ الحسد وأضراره؟

وهل تبين لك من خلال ما قرأته من نماذج الحسدة، كيف أن الحسد ملازم لأصحاب الخصال الذميمة، وأنه مضر بالفرد والأمة.

ومن خلال قراءتك للموضوع هل استفدت طريقة لتتجنب شر الحاسدين؟


(١) ((التذكرة الحمدونية)) لابن حمدون (٢/ ٢١٠).
(٢) ((موارد الظمآن لدروس الزمان)) لعبد العزيز السلمان (٤/ ٥٧٤).
(٣) ((صيد الأفكار)) لحسين المهدي (ص٤٨١ - ٤٨٢).
(٤) ((غرر الخصائص الواضحة)) للوطواط (ص٦٠٣).
(٥) ((عيون الأخبار)) للدينوري (٢/ ١١).
(٦) ((خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب)) لعبد القادر البغدادي (٨/ ٥٦٧).
(٧) ((الأمالي)) للقالي (٢/ ١٩٨).
(٨) ((البداية والنهاية)) لابن كثير (١٢/ ٢٥).
(٩) ((إحياء علوم الدين)) (٣/ ١٨٩).
(١٠) ((زهر الآداب وثمر الألباب)) للقيرواني (١/ ٢٤٧).
(١١) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (٢/ ١٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>