للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[صور الخيانة]

(الخيانة من صفات المنافقين البارزة، فالمنافق إذا سنحت له فرصة الخيانة لم يضيعها أو يدعها تفوق، جرياً وراء المغنم، وأصل الخون النقص كما أن أصل الوفاء التمام واستعماله ضد الأمانة لأن الخون النقص والضياع، وما أبشع الخيانة بقدر ما يعظم قدر الأمانة، يقول الله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً [الأحزاب: ٧٢]. وقد نهى الله تعالى عن الخيانة بأصنافها وأنواعها) (١). وصورها كالتالي:

١ - خيانة الله ورسوله:

قال تعالى: أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال: ٢٨].

قال ابن حجر الهيتمي: (وقوله عز وجل: وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ عطف على النهي أي ولا تخونوا أماناتكم.

قال ابن عباس: الأمانات الأعمال التي ائتمن الله تعالى عليها العباد (٢).

أما خيانة الله ورسوله فمعصيتهما.

وأما خيانة الأمانات فكل أحد مؤتمن على ما كلفه الله به، فهو سبحانه موقفه بين يديه ليس بينه وبينه ترجمان وسائله عن ذلك هل حفظ أمانة الله فيه أو ضيعها؟ فليستعد الإنسان بماذا يجب الله تعالى به إذا سأله عن ذلك فإنه لا مساغ للجحد ولا للإنكار في ذلك اليوم، وليتأمل قوله تعالى: وَأَنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف: ٥٢] أي لا يرشد كيد من خان أمانته بل يحرمه هدايته في الدنيا، ويفضحه على رءوس الأشهاد في العقبى، فالخيانة قبيحة في كل شيء) (٣).

٢ - (خيانة النفس: وهي أن يفعل المرء من الذنوب ما لا يطلع عليه إلا الله ويخون به أمر الله تعالى بألا يفعل، مثلما وقع من بعض المسلمين من الرفث إلى النساء ليلة الصيام فعن ابن عباس قال: كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام في شهر رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ [البقرة: ١٧٨] وقوله تعالى: تختانون من الاختيان وهو أبلغ من الخيانة كالاكتساب من الكسب.

٣ - خيانة الناس وهي أنواع:

- في المال: وتتمثل في أكل المال الذي يؤتمن عليه الإنسان سواء كان ذلك المال وديعة أو مالا عاماً أو مال شركة أمينها ذلك الخائن أو مال اليتامى الذين يتولى الوصاية عليهم خائن يأكل في بطنه ناراً من الأوصياء والأولياء المنافقين.

- إفشاء السر: وقد تكون خيانة الناس بإفشاء السر الذي يؤتمن عليه الإنسان إلا إذا كان في ذلك الإفشاء مصلحة أقوى مثل إظهار الحق ونصرة المظلوم وإعانة أهل العدل وصيانة مصلحة الأمة.

ولكن أكثر ما تكون الخيانة في إفشاء الأسرار الخاصة التي لا تهم غير صاحبها مثل عورات البيوت وأسرار العائلات والأزواج .. فليتق الله من يطلع على شيء من ذلك إذا ائتمنه عليه أصحاب الشأن لاستشارة أو لقيام بينهم بصلح.


(١) ((أخلاق المنافقين)) ليعقوب المليجي (ص: ٨٤). بتصرف.
(٢) رواه الطبري في ((تفسيره)) (١٣/ ٤٨٥)، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (٥/ ١٦٨٤).
(٣) ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) لابن حجر الهيتمي (١/ ٤٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>