للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسائل متفرقة حول الطمع]

- وصية في التحذير من الطمع:

قال سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: (يا بني إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة فإنها مال لا ينفذ، وإياك والطمع فإنه فقر حاضر، وعليك بالإياس مما في أيدي الناس فإنك لا تيأس من شيء إلا أغناك الله عنه) (١).

- ما قيل في الطمع:

قال بعض العارفين: (الطمع طمعان: طمع يوجب الذل لله، وهو إظهار الافتقار وغايته العجز والانكسار وغايته الشرف والعز والسعادة الأبدية، وطمع يوجب الذل في الدارين، أي وهو المراد هنا وهو رأس حب الدنيا، وحب الدنيا رأس كل خطيئة، والخطيئة ذل وخزي، وحقيقة الطمع أن تعلق همتك وقلبك وأملك بما ليس عندك فإذا أمطرت مياه الآمال على أرض الوجود، وألقي فيها بذر الطمع بسقت أغصانها بالذل ومتى طمعت في الآخرة وأنت غارق في بحر الهوى ضللت وأضللت) (٢).

وقال بعضهم: من أراد أن يعيش حرّا أيّام حياته فلا يسكن قلبه الطّمع (٣).

وأراد رجل أن يقبل يد هشام بن عبد الملك فقال: لا تفعل، فإنما يفعله من العرب الطمع، ومن العجم الطبع (٤).

وقال بعضهم: الحرص ينقص قدر الإنسان، ولا يزيد في رزقه (٥).

وكان يقال: (حين خلق الله آدم عجن بطينته ثلاثة أشياء: الحرص، والطمع، والحسد. فهي تجري أولاده إلى يوم القيامة، فالعاقل يخفيها، والجاهل يبديها، ومعناه أن الله تعالى خلق شهوتها فيه) (٦).

وقيل: (الطمع ثلاثة أحرف كلها مجوفة فهو بطن كله فلذا صاحبه لا يشبع أبداً) (٧).

- أشعب والطمع:

قيل لأشعب: ما بلغ من طمعك؟ قال: أرى دخان جاري فأثرد.

وقال لآخر: لم تقل هذا إلا وفي قلبك خبر ...

وقيل له: هل رأيت أطمع منك؟ قال: نعم، امرأتي، كل شيء ظنناه فهي تتيقنه. وقال: شاة لي كانت على السطح فأبصرت قوس قزح فحسبتها حبلاً من قتّ، فوثبت إليها فطاحت، فاندق عنقها.

وكان يقعد إلى الطبّاق فيقول: وسع، وسع، فعسى يهدي إلي من يشتريه. وقال: ما رأيت أطمع مني إلا كلباً تبعني على مضغ العلك فرسخاً (٨).

قال المدائني: (كان سالم بن عبد الله يستخفّ أشعب، ويمازحه، ويضحك منه كثيراً، ويحسن إليه. فقال له ذات يوم: أخبرني عن طمعك يا أشعب، فقال: نعم، قلت لصبيان مجتمعين: إن سالماً قد فتح باب صدقة عمر، فامضوا إليه حتى يطعمكم تمراً، فمضوا. فلما غابوا عن بصري، وقع في نفسي أن الذي قلت لهم حق، فتبعتهم.

وقال أيضاً: مر أشعب برجل يعمل زِبيلاً، فقال له: أحب أن توسعه، قال: لمَ ذاك؟ قال: لعل الذي يشتريه منك يهدي إلي فيه شيئاً.

وقال بعض الرواة: قيل لأشعب: ما بلغ من طمعك؟ قال: ما تناجى اثنان قط إلا ظننت أنهما يأمران لي بشيء ...

وقال أيضاً: تعلق أشعب بأستار الكعبة، وسأل الله أن يخرج الحرص من قلبه. فلما انصرف، مر بمجالس قريش، فسألهم، فما أعطاه أحد منهم شيئاً. فرجع إلى أمه فقالت له: يا بني كيف جئتني خائباً. فقال: إني سألت الله أن يخرج الحرص من قلبي. فقالت: ارجع يا بني، فاستقله ذاك. قال أشعب: فرجعت، فتعلقت بأستار الكعبة وقلت: يا رب، كنت سألتك أن تخرج الطمع من قلبي، فأقلني. ثم مررت بمجالس قريش فسألتهم فأعطوني. ووهب لي رجل غلاماً. فجئت إلى أمي بحمار موقر من كل شيء، وبغلام، فقالت لي: ما هذا الغلام؟ فأشفقت من أن أقول: وهب لي، فتموت فرحاً، فقلت: غينٌ، فقالت: وما غينٌ؟ قلت: لامٌ، قالت: وما لامٌ؟ قلت: ألفٌ، قالت: وما ألفٌ؟ قلت: ميمٌ، قالت: وما ميمٌ؟ قلت: وُهِب لي غُلامٌ. فغشي عليها من الفرح، ولو لم أقطِّع الحروف لماتت) (٩).

ويقال كان ثلاثة نفر في العرب في عصر واحد؛ أحدهم آية في السخاء وهو حاتم الطائي، والثاني آية في البخل وهو أبو حباحب، والثالث آية في الطمع وهو أشعب، كان طماعاً، وكان من طمعه إذا رأى عروساً تزف إلى موضع جعل يكنس باب داره لكي تدخل داره وكان إذا رأى إنساناً يحك عنقه فيظن أنه ينزع القميص ليدفعه إليه (١٠).

- حكم وأمثال في الطمع

- هو أطمع من أشعب (١١).

- قطع أعناق الرجال المطامعُ.

ويقال: (مصارع الرجال تحت بروق المطامع). يضرب في ذم الطمع والجشع (١٢).

- عتود عند الفزع، ذئب عند الطمع (١٣).


(١) رواه الدينوري في ((المجالسة وجواهر العلم)) (٥/ ٤٦) (١٨٤٣)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (٢٠/ ٣٦٣).
(٢) ((فيض القدير)) للمناوي (٣/ ١٣٢).
(٣) ((المستطرف)) للأبشيهي (ص٨٣).
(٤) ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزمخشري (٢/ ٤١٩).
(٥) ((المستطرف)) للأبشيهي (ص٨٣).
(٦) ((القناعة والتعفف)) لابن أبي الدنيا (ص٧٩).
(٧) ((فيض القدير)) للمناوي (٣/ ١٣٢).
(٨) ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزمخشري (٣/ ٢٧٣).
(٩) ((الزاهر في معاني كلمات الناس)) للأنباري (٢/ ٢١٧ - ٢١٨).
(١٠) ((بحر العلوم)) للسمرقندي (٣/ ٦٠٩).
(١١) ((الزاهر في معاني كلمات الناس)) للأنباري (٢/ ٢١٦).
(١٢) ((اللباب في قواعد اللغة وآلات الأدب)) لمحمد السراج (ص٢٧١).
(١٣) ((القناعة والتعفف)) لابن أبي الدنيا (ص٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>