للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الانتصار من الظالم]

(رغب الله سبحانه وتعالى على العفو عن الظالم وأثنى على من فعل ذلك فقال: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى:٤٣] وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينتقم لخاصة نفسه، ولكن الله أباح الانتصار من الظالم، قال تعالى: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا [النساء:١٤٨] وقال سبحانه: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ [الشورى:٣٩]

والانتصار ليس منافياً للعفو، فإنه يكون بإظهار القُدرة على الانتقام، ثم يقعُ العفوُ بعد ذلك، فيكون أتمَّ وأكملَ ... فالمؤمن إذا بُغِي عليه، يُظهر القدرة على الانتقام، ثم يعفو بعد ذلك) (١).

قال سبحانه: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى:٤٠ - ٤٣]

(اللام في وَلَمَنِ انْتَصَرَ للتأكيد أي انتقم. قوله بَعْدَ ظُلْمِهِ من إضافة المصدر إلى المفعول قوله َأُولَئِكَ إشارة إلى معنى من دون لفظه مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ للمعاقب والمعنى أخذ حقه بعد أن ظلم فأولئك ما عليهم من سبيل إلى لومه وقيل ما عليهم من إثم إنما السبيل باللوم والإثم على الذين يظلمون الناس يبتدرون الناس بالظلم ويبغون في الأرض يتكبرون فيها ويقتلون ويفسدون عليهم بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم أي مؤلم ولمن صبر على الظلم والأذى ولم ينتصر وفوض أمره إلى الله إن ذلك الصبر والمغفرة منه لمن عزم الأمور أي من الأمور التي ندب إليها والعزم الإقدام على الأمر بعد الروية والفكر) (٢).

وقال إبراهيم: (كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا) (٣).

وروي عن أحمد بن حنبل أنه قال: (قد جعلت المعتصم بالله في حل من ضربي وسجني؛ لأنه حدثني هاشم بن القاسم عن ابن المبارك قال: حدثني من سمع الحسن البصري يقول: إذا جثت الأمم بين يدي رب العالمين يوم القيامة نودي: ليقم من أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا. يصدق هذا الحديث قوله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وكان أحمد بن حنبل يقول: ما أحب أن يعذب الله بسببي أحدا) (٤).

وقال ابن الأنباري: (كان الحسن البصري يدعو ذات ليلة: اللهم اعف عمن ظلمني، فأكثر في ذلك، فقال له رجل: يا أبا سعيد، لقد سمعتك الليلة تدعو لمن ظلمك حتى تمنيت أن أكون فيمن ظلمك، فما دعاك إلى ذلك؟ قال: قوله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) (٥).


(١) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (ص ٤٥٠).
(٢) ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) للعيني (١٢/ ٢٩٢).
(٣) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (٦/ ٥٧٤).
(٤) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (٦/ ٥٧٥).
(٥) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (٦/ ٥٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>