للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أسباب العجب]

للعجب أسباب تجر الشخص إلى الوقوع فيه, وبواعث تدعوه إليه نذكر منها ما يلي:

١. جهل المرء بحقيقة نفسه وغفلته عنها (وحاصل ذلك أن جهله بنفسه وصفاتها وآفاتها وعيوب عمله وجهله بربه وحقوقه وما ينبغي أن يعامل به يتولد منهما رضاه بطاعته وإحسان ظنه بها ويتولد من ذلك من العجب والكبر والآفات ما هو أكبر من الكبائر الظاهرة من الزنا وشرب الخمر والفرار من الزحف ونحوها) (١).

٢. المدح والثناء والإطراء في الوجه سبب قوي من أسباب العجب قال الماوردي رحمه الله: (من أقوى أسبابه – أي العجب - كثرة مديح المتقربين وإطراء المتملقين الذين جعلوا النفاق عادة ومكسبا، والتملق خديعة وملعبا، فإذا وجدوه مقبولا في العقول الضعيفة أغروا أربابها باعتقاد كذبهم، وجعلوا ذلك ذريعة إلى الاستهزاء بهم) (٢).

وقال ابن حجر رحمه الله: (قال بن بطال حاصل النهي أن من أفرط في مدح آخر بما ليس فيه لم يأمن على الممدوح العجب لظنه أنه بتلك المنزلة فربما ضيع العمل والازدياد من الخير اتكالا على ما وصف به) (٣).

٣. ومما يوصل الإنسان إلى العجب بنفسه مقارنته لنفسه بمن هو دونه في العمل والفضل, واعتقاده أن الناس هلكى بالذنوب والمعاصي وأنه على خير كبير إذا قورن بغيره. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ((إذا قال الرجل هلك الناسُ فهو أهلكهُم)) (٤).

٤. النشأة والتربية, فقد ينشأ الإنسان في بيئة غلب عليها طبع العجب والكبر فيأخذ هذا الطبع منها, ويتأثر بمحيطه ومن حوله. يقول السيد محمد نوح: (قد ينشأ بين أبوين يلمس منهما أو من أحدهما: حب المحمدة ودوام تزكية النفس إن بالحق وإن بالباطل والاستعصاء على النصح والإرشاد ونحو ذلك من مظاهر الإعجاب بالنفس فيحاكيهما وبمرور الزمن يتأثر بهما ويصبح الإعجاب بالنفس جزء من شخصيته إلا من رحم الله) (٥).

وكما قال الشاعر:

وينشأ ناشئ الفتيان منَّا ... على ما كان عوده أبوه

٥. الرفقة والصحبة سبب من أسباب الإعجاب بالنفس, ذلك أن الإنسان شديد المحاكاة والتأثر بصاحبه لا سيما إذا كان هذا الصاحب قوى الشخصية ذا خبرة ودراية بالحياة وكان المصحوب غافلا على سجيته يتأثر بكل ما يلقى عليه وعليه فإذا كان الصاحب مصابا بداء الإعجاب فإن عدواه تصل إلى قرينه فيصير مثله (٦).

٦. الاغترار بالنعمة والركون إليها مع نسيان ذكر المنعم تبارك وتعالى, (فإذا حباه الله نعمة من المال أو علم أو قوة أو جاه أو نحوه وقف عند نعمة ونسي المنعم وتحت تأثير بريق المواهب وسلطانها تحدثه نفسه أنه ما أصابته هذه النعمة إلا لما لديه من علم على حد قول قارون: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص: ٧٨] ولا يزال هذا الحديث يلح عليه حتى يرى أنه بلغ الغابة أو المنتهى ويسر ويفرح بنفسه وبما يصدر عنها ولو كان باطلا وذلك هو الإعجاب بالنفس) (٧).

٧. تولي المناصب القيادية, من سلطة أو قضاء أو إدارة أو إشراف وغير ذلك من المسؤوليات.

٨. التمتع بصفة أو مزية تجعله يتميز عن غيره فيها سواء كانت هذه الصفة اضطرارية كالجمال, أو فصاحة اللسان أو النسب أو العشيرة أو المال والبنين أو غيرها, أو كانت تلك الصفة اختيارية كالعلم والطاعة والإقدام وغيرها.

٩. المبالغة في التوقير والاحترام من الأتباع, وفي ذلك قاصمة ظهر للمتبوع.

١٠. قلة الورع والتقوى وضعف المراقبة لله عز وجل.

١١. قلّة الناصح والموجه أو فقده بالكلية.

١٢. عدم التفكر في حال الدنيا والافتتان بها وبزخرفها الفاني بالإضافة إلى اتباع هوى النفس ومتابعتها فيها.

١٣. الغفلة عن نهاية العجب والمعجبين ومآلهم في الدنيا والآخرة.

١٤. عدم التأمل في النصوص الشرعية من القرآن والسنة النبوية, الناهية عن هذه السجية القبيحة, الآمرة بضدها من تواضع وخفض جناح.

١٥. الأمن من مكر الله عز وجل والركون إلى عفوه ومغفرته.


(١) ((مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين)) (١/ ١٩٢).
(٢) ((أدب الدنيا والدين)) (ص٢٣٩).
(٣) ((فتح الباري)) ابن حجر (١٠/ ٤٧٧).
(٤) رواه مسلم (٢٦٢٣).
(٥) ((آفات على الطريق)) لسيد محمد نوح.
(٦) ((آفات على الطريق)) لسيد محمد نوح.
(٧) ((آفات على الطريق)) لسيد محمد نوح.

<<  <  ج: ص:  >  >>