للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أسباب الفتور]

للفتور أسباب كثيرة وإليك بعض من هذه الأسباب وهي كالتالي:

١ - الغفلة عن ذكر الله:

إن الغفلة عن ذكر الله سبب من أسباب الفتور عن الطاعات والتكاسل عن العبادات لأنه إذا نسي ذكر الله كان بعيدا عنه، قال تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر: ١٩] والغفلة تعتبر من التمادي في الباطل، ولا تعتبر سهوا أو نسياناً قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يونس: ٧ - ٨].

قال ابن القيم: (فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته كان الصدأ متراكبا على قلبه وصدأه بحسب غفلته وإذا صدئ القلب لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه فيرى الباطل في صورة الحق والحق في صورة الباطل لأنه لما تراكم عليه الصدأ أظلم فلم تظهر فيه صورة الحقائق كما هي عليه فإذا تراكم عليه الصدأ واسود وركبه الران فسد تصوره وإدراكه فلا يقبل حقا ولا ينكر باطلا وهذا أعظم عقوبات القلب وأصل ذلك من الغفلة واتباع الهوى فإنهما يطمسان نور القلب ويعميان بصره) (١).

وقال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزمر: ٩].

(لما كان الإنسان محل الفتور والغفلة والنسيان، وكان ذلك في محل الغفران، وكان لا يمكن صلاحه إلا بالخوف من الملك الديان، قال معللاً أو مستأنفاً جواباً لمن كأنه يقول: ما له يتعب نفسه هذا التعب ويكدها هذا الكد: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ أي عذاب الله فيها، فهو دائم التجدد لذلك كلما غفل عنه. ولما ذكر الخوف، أتبعه قرينه الذي لا يصح بدونه فقال: وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ أي الذي لم يزل ينقلب في إنعامه) (٢).

٢ - التشدد في العبادة:

المؤمن ينبغي أن يقوم بما يطيقه من العبادة حتى لا يصاب بالملل والفتور، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، قال: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل فقلت بلى يا رسول الله قال فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا وإن لزورك عليك حقا وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فإن ذلك صيام الدهر كله فشددت فشدد علي قلت يا رسول الله إني أجد قوة قال فصم صيام نبي الله داود عليه السلام، ولا تزد عليه قلت وما كان صيام نبي الله داود - عليه السلام- قال نصف الدهر فكان عبد الله يقول بعد ما كبر يا ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم)) (٣).

وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وأحب الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما دووم عليه وإن قلت)) (٤).


(١) ((الوابل الصيب)) لابن القيم (٥٦).
(٢) ((نظم الدرر)) للبقاعي (١٦/ ٤٦٧).
(٣) رواه البخاري (١٩٧٥) ومسلم (١١٥٩) واللفظ للبخاري.
(٤) رواه البخاري (١٩٧٠) واللفظ له، ومسلم (٧٨٢). من حديث عائشة رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>