للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تقدم الكلام على حقيقة الليبرالية وأسسها الفكرية، وبه يتبين أن الليبرالية منظومة فكرية متكاملة، وعقيدة سياسية واقتصادية محددة، وليست مجرد آلة كما يزعم البعض.

الشبهة الثالثة: أن الليبرالية تشتمل على بعض الإيجابيات:

وترى هذه الشبهة أن الليبرالية مشتملة على أمور إيجابية مثل إكرام الإنسان، وعدم إهدار حقوقه، وشحذ الدافع الذاتي (الفردية) للإنسان مما ولد المنافسة القوية بين الشركات الكبرى بحيث توصلت من خلال هذه المنافسة إلى تحريك الاقتصاد، واكتشاف المخترعات الحديثة المفيدة للإنسان، هذا بالإضافة إلى المشاركة السياسية، والحرية في مؤسسات المجتمع، والصحافة، وتكوين الأحزاب والمعارضة وغيرها، ولا يمكن أن يكون هذا معارض للإسلام.

ويمكن الجواب عن هذه الشبهة من وجوه عدة:

أولا: أن وجود بعض الإيجابيات لا يدل على صحة هذا المذهب أو ذاك، لأنه ما من فكر باطل أو بدعة مخترعة إلا ويوجد فيها شيء من الحق كما قال تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران:٧١]، فلا يكاد يوجد مذهب إلا وهو مشتمل على بعض الإيجابيات، ولكن ذلك لا يستلزم الصحة كما قال تعالى عن يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا [البقرة:٢١٩].

ثانيا: أن سلبيات الليبرالية ومساوئها أكثر، وأعظمها الكفر والشرك بالله تعالى، والأثرة، واتباع الهوى، والظلم للفقراء والطبقات المتدنية، والحروب، والاحتلال وغيرها.

ثالثا: أن إيجابيات الليبرالية لا تخلو من جوانب سلبية، لأنها حريات مفتوحة غير منضبطة فحقوق الإنسان فتح مجال الإلحاد، والفساد الأخلاقي إلى درجة الشذوذ، والفردية أصبحت شحا مطاعا، وهوى متبعا، وأنانية مقيتة، والديمقراطية رفعت أصحاب رؤوس الأموال، وجعلتهم يتحكمون في المجتمع بأموالهم.

رابعا: أن أي صفة إيجابية في مذهب باطل فإنها موجودة في دين الإسلام بأحسن وأكمل وأنقى من النقص من غيره، وهذا من كمال الدين وتمامه المنصوص عليه في قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة:٣]، وفي قوله تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:٩]، وقوله تعالى: هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ [آل عمران: ١٣٨]، وغيرها فلا نحتاج إلى أن ننقل من المناهج والمذاهب المنحرفة بحجة وجود إيجابيات فيها، فلا خير إلا وقد دلنا له الإسلام ولا شر إلا حذرنا منه، فكل خير موجود في الإسلام دون أي شائبة.

الشبهة الرابعة: قول بعضهم: سنقيد الليبرالية بقيود الشرع!

فلا نقبل منها أي أمر يخالف شريعة الإسلام، حيث نؤقلمها مع عقيدتنا وظروفنا. والجواب: قد قيل مثل هذا ممن أراد الترويج للديمقراطية؛ مدعيا أنه لن يقبل بالتصويت على أمر مخالف للإسلام، وأنه .. وأنه .. إلى آخر القيود، فقيل لها: إذا قيدتها بهذه الأمور فلا تسميها " ديمقراطية "؛ لأنها لن تكون كذلك! سمها إسلاما، ودع هذا التلاعب. ومثل هذا يقال لمن أراد أن يقيد الليبرالية بقيود الشرع؛ لأنها ستكون شيئا آخر غير الليبرالية. والله الهادي.

المصدر:حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها لسليمان الخراشي ص١٥٧ - ١٧٢

<<  <  ج: ص:  >  >>