للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولا: معنى الديمقراطية ونشأتها الديمقراطية كلمة يونانية (١) في أصلها ومعناها سلطة الشعب والمقصود بها بزعمهم حكم الشعب نفسه بنفسه عن طريق اختيار الشعب لحكامه وهي الكذبة التي كان يرددها النظام الشيوعي.

ويذكر الباحثون أن أول من مارس هذه النظرية هم الإغريق في مدينتي أثينا وأسبرطة ولكنها ارتبطت في الغرب بالنظام السياسي والاقتصادي بخلاف نشأتها عند الإغريق وكانت طريقتهم تتمثل في أنهم كانوا يشكلون حكومة من جميع رجال المدينة وأطلقوا عليها اسم (حكومة المدينة) حيث يجتمع رجال المدينة لبحث كل أمورهم ينتخبون لهم حاكما ويصدرون القوانين في كل قضية تعرض عليهم ويتخذون لها حلا يكون حاسما ويشرفون جميعهم على تنفيذه بكل دقة وحزم واستمروا على هذه الصورة الفريدة إلى أن انتهت حكومة المدينة في كل من أثينا وأسبرطة حينما غلبهم المد النصراني وبرز رجال الكنيسة وقد بقيت تلك الحكومة في ذاكرة الناس، ثم كان لطغيان رجال الكنيسة فيما بعد الأثر الحافز على الرغبة في العودة إلى تلك الحكومة الغابرة وظل أهل أوربا يتوقون إلى الخلاص من قبضة رجال الكنيسة تحت أي تيار يسوقهم علهم يجدون متنفسا من أوضاعهم المخزية تحت سلطة الإقطاع والنبلاء والأشراف من البابوات وكبار الملاك الظالمون لجميع طبقات الشعوب. ونجم عن كثرة الضغط الانفجار الذي تمثل في الثورة الفرنسية حيث أخذ زعماؤها في التفتيش عن مصدر يحل محل ذلك الحكم البغيض ولم يكن أيام حكم المدينة غائبا عن أذهانهم خصوصا وقد اتصل كثير من الأوربيين بالمسلمين وتفهموا كثيرا من تصورات المسلمين ونظامهم الإلهي العادل الذي منعهم من الانقياد له حقدهم الشديد على الدين والمتدينين ثم رغبتهم في الانفلات من كل قيد وغير ذلك فوقع اختيارهم على ذلك الماضي الجاهلي الإغريقي ونادوا بتجديده والسير على نهجه كي يبعدهم عن شبح البابوات والأباطرة والإقطاعيين ومن جاء بعدهم من الجشعين الرأسماليين فاتخذوه شعارا – بغض النظر عن تحقيقه – يحاربون تحته ومع طموح الشعوب إلى تحقيق هذا الحلك فقد وجد الدعاة له من المشقة والتنكيل والسجن على أيدي أصحاب السلطة المستأثرين بها وعلى أيدي البابوات والوجهاء الأثرياء في ذلك الوقت ما لا يوصف وهو أمر بديهي إلا أن دعاة تلك الديمقراطية لم يضعف عزمهم ولم تخنهم شجاعتهم فكانوا كما قيل:

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلج

وتم لهم بعد الكفاح المرير الوصول إلى كراسي السلطة وإخضاع أمراء الإقطاع والمستأثرين بالسلطة إلى الرضوخ للأمر الواقع وزحزحت البساط من تحت أقدام البابوات أصحاب الحق الإلهي المقدس بزعمهم ومن تحت أمراء الإقطاع الذين كانوا لا يسألون عما فعلوا والناس يسألون، وصدق الله تعالى حينما قال: وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:١٤٠]. وابتلى الله الظالمين بعضهم ببعض ولا يزال بأسهم بينهم شديدا وقلوبهم شتى.

المصدر:المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي ٢/ ٧٦١


(١) في مقال له بعنوان (المشتركات الإنسانية سبيل للحضارة) نشر في موقع (إسلام أون لاين) بتاريخ: ١٨/ ٤/٢٠٠٤م.

<<  <  ج: ص:  >  >>