للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حادي عشر: هل تحققت السعادة المزعومة في ظل القومية؟]

لقد نادى القوميون وملئوا الدنيا صياحا بأن الدعوة القومية ستحقق لمعتنقيها كل السعادة وأنهم سيعيشون في جنة عالية وعز لا يرام إذا طبقت الشعوب القومية سواء أكانت تلك الشعوب عربية أم غير عربية فالسعادة تنتظر الجميع وأنها تجمع ولا تفرق وتؤلف القلوب وتوحد الأحوال الاقتصادية وتحقق القوة على الأعداء أيا كانوا إلى غير ذلك من أنواع المديح والتزكية للقومية والقوميين.

ولكن هل تحققت تلك المزاعم لأي قومية من القوميات عربا أو عجما؟ لقد قال بعضهم إن الناس بطبيعتهم فيهم غرائب لؤم فإن الشخص يبغض الآخرين لأنهم لا يتكلمون بلغته فإذا تكلموا بلغته فإنه يبغضهم لأنهم ليسوا من وطنه فإذا كانوا من وطنه بغضهم لأنهم ليسوا من قبيلته فإذا كانوا من قبيلته بغضهم حسدا على ما عندهم.

والعرب بحد ذاتهم حينما مالوا إلى القومية ووالوا وعادوا من أجل العروبة ماذا كانت نتيجتهم لقد ازدادوا فرقة وفقرا وعداوة فيما بينهم وكاد بعضهم للبعض الآخر بل ودارت بينهم حروب شرسة حين بغى بعضهم على بعض ببركات حب القومية وافتخار كل بقومه فقامت الأحزاب والتكتلات الصغيرة والكبيرة على حمية القومية الجاهلية فازدادت المسافة بينهم وبين الوصول إلى السعادة المنشودة في ظل القومية وليت هؤلاء الهاربون عن طريق السعادة الحقيقية يرجعون بذاكرتهم إلى تاريخهم المشرق ويتذكرون حين قال رسول سعد بن أبي وقاص لرستم حينما سأله ما الذي أخرجكم علينا فقال له: أمرنا أن نخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. وفي نهاية اجتماعهم قال له " واعلم أن لكم عندنا ثلاث خصال. إما الإسلام أو الجزية عن يد وأنتم صاغرون أو القتال". وهو كلام ما كان يحلم به العرب في يوم من الأيام أن يواجهوا به سادة الفرس الذين كانوا يعتبرون العرب أذل البشر قبل أن يعزهم الله بالإسلام وقبل أن يصبحوا خير أمة أخرجت للناس حينما نبذوا جميع الخرافات الجاهلية وافتخروا بدينهم فوجدوا السعادة الحقيقية فيه، تراحموا بعد أن كانوا أشد الناس عداء فيما بينهم يقهر القوي الضعيف ويستعبد الأغنياء الفقراء تراحموا حتى أصبحوا كالجسد الواحد يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة يقول الشخص منهم للآخر تعال أقاسمك مالي وأهلي فيقول له صاحبه بارك الله في مالك وأهلك دلني على السوق، تراحموا حتى مدحهم رب العالمين بقوله تعالى: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ [الفتح:٢٩].

ولقد نجوا من الهلاك الذي كان ينتظرهم باستمرارهم على الشرك حيث امتن الله عليهم بذلك فقال تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:١٠٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>