للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رابع عشر: الإسلام والقومية العربية]

ذكرنا في البداية أن الإسلام لا يقف في طريق الشخص إذا انتسب لقومه أو لوطنه أو أهله بل إنه يشجع هذا المسلك ويحبذه إذا كان على أساس التواصل وصلة الرحم بل أخبر الله تعالى أن انقسام الناس إلى شعوب وقبائل هو أمر منه عز وجل أن الحكمة من وراء هذا بينها عز وجل بقوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:١٣].وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينتسب الشخص إلى غير أبيه أو ينتمي إلى غير مواليه (١) ولا يمنع كذلك أن ينتسب الإنسان إلى الوطن الذي يعيش فيه ولا لوم عليه إذا أحبه لا على أساس الفخر الجاهلي وإنما لأنه وطنه أواه فإن تلك الأمور كلها لا حرج فيها وواقع تعيشه البشرية كلها ولا يمنعها الإسلام إلا في حالة واحدة وهي الحالة التي يصبح ولاء الناس ومعاداتهم ومحبتهم واجتماعهم وافتراقهم كله قائم على دعوى القومية والتعصب لها وتقديمها على الأخوة الإسلامية لأن هذا الوضع منحرف لأنه يصبح تشريعا جديدا لا تستند فيه مشروعية إلا على الحكم الوضعي البشري لا إلى حكم الله تعالى وما أجمل أن يترك الإنسان كل علاقة خارجة عن الإسلام محاكيا في ذلك قول سلمان رضي الله عنه حينما سمع بعض الناس يفتخر بنسبه وبقومه فقال عن نفسه:

أبي الإسلام لا أب لي سواه

إذا افتخروا بقيس أو تميم

وأما حينما يصل التعصب للقومية إلى أن يقدم الشخص ولاءه ومحبته للآخر لأنه من قومه بينما يبتعد عن الآخر من غير قومه حتى وإن كان صالحا تقيا فهذا لا يعترف به الإسلام بل تعترف به القومية الجاهلية وما أكثر ما ورد عن سير السلف الصالح رضوان الله عليهم من الصحابة ومن بينهم إحسان ما أكثر ما ورد عنهم تقديم أخوة الإيمان على أخوة النسب أو الدم ولنا في مؤاخاة الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في أول الإسلام خير شاهد على ذلك فإن قصصهم العطرة وسيرتهم المرضية لا تزال تضيء نورا وهاجا وعبيرا فواحا إلى يومنا هذا تخليدا من الله تعالى لهم وإكراما لأوليائه.


(١) ((العبودية)) (ص ٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>