للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثاني عشر: بطلان الوجودية]

بيان بطلان الوجودية لا يحتاج إلى كبير جهد؛ ففسادها يغني عن إفسادها، وتصورها كافٍ في الرد عليها.

يقول الأستاذ عبدالرحمن الميداني: لا تحتاج آراء سارتر، وكذلك كل آراء الوجودية الملحدة إلى جهد كبير لتفنيدها، وكشف زيوفها؛ فهي أقل من أن توضع بين الفلسفات التى تستحق المناقشة، والاعتراض، والنقد. ولولا أنها كتبت بأيدي رجال متخصصين في دراسة الفلسفة، ثم قامت منظمات ذات مخططات سياسية عالمية هدامة بترويجها في أسواق الفارغين من العقول لنشر الإلحاد بالله، وتدمير الأخلاق، وسائر القيم الصحيحة عن طريقها - لما كان لها شأن يذكر، ولما رفعها أحد من مجمع قمامات الآراء لينظر إليها، ويفحص ماهيتها، ولما شُغل بقراءة كتبها مشغولون حريصون على أوقاتهم أن تضيع سدى في قراءة كلام هراء متهافت سخيف لا قيمة له لدى أهل الفكر والنظر (١).

وفيما يلي ذكر لبعض الأمور التي يتبين من خلالها بطلان الوجودية وزيفها:

١ - بطلان قولها بإنكار الخالق: فالوجودية أنكرت وجود الخالق - عز وجل - وهذا الأمر منقوض بالشرع، والعقل، والفطرة، والحس.

فهذه كلها تدل على وجود الله - عز وجل -.

أما دلالة الشرع على وجود الله فلأن الكتب السماوية كلها تنطق بذلك، فما جاءت به من العقائد الصحيحة، والأخلاق القويمة، والأحكام العادلة - دليل على أنها من رب حكيم عليم بمصالح عباده.

وأما دلالة العقل فلأن المخلوقات سابقها ولاحقها لابد لها من خالق؛ إذ لا يمكن أن تُوجد نفسها بنفسها، ولا يمكن أن توجد صدفة؛ لأن الشيء لايخلق نفسه، ولأن كل حادث لا بد له من مُحدِث، ولأن وجودها على هذا النظام البديع، والتناسق المتآلف، والارتباط بين الأسباب ومسبباتها، وبين الكائنات بعضها مع بعض - يمنع منعاً باتاً أن يكون وجودها صدفة. إذا تقرر ذلك تَعَيَّن أن يكون لها مُوجد وهو الله رب العالمين، وبطل القول بإنكاره - عز وجل - (٢).

وأما دلالة الفطرة على وجود الله فلأن كل مولود قد فُطر وجُبل على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكيرٍ أو تعليم. ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها (٣). قال النبي ": ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه (٤).

أما دلالة الحس على وجود الله فلأن كل ما في الكون شاهد ودليل على وجود الله - عز وجل -.

فكيف يأتي جاهل سفيه موتور كفور فينكر وجود الله - عز وجل - بجرة قلم؟! ومن أدلة الحس إجابة الدعوات، ومعجزات الأنبياء، ودلالة الأنفس، والآفاق ونحو ذلك. (٥)

٢ - بطلان دعواهم إلى الحرية المطلقة: فلقد دعا الوجوديون إلى الحرية المطلقة زعماً منهم بأن هذا هو الطريق الوحيد لأن يثبت الإنسان وجوده.

ويقال لهؤلاء: ما مفهوم الحرية عندكم؟ أهي على حساب حريات الآخرين؟ أم على حساب القيم والمبادئ؟ وهل الإنسان إذا أطلق العنان لنفسه وشهواته يكون حراً فيثبُت وجوده من خلال ذلك؟


(١) ([٢٨٥]) رواه البخاري (٢/ ٦٦١) ومسلم (٢/ ١١٤٧).
(٢) ([٢٨٦]) انظر ((الاتجاهات الفكرية المعاصرة)) (١٣٠ - ١٣٣).
(٣) ([٢٨٧]) انظر ((الاتجاهات الفكرية المعاصرة)) (١٣٠ - ١٣٣).
(٤) رواه مسلم (١٨١٧).
(٥) رواه البخاري (٤٦٨٦) ومسلم (٢٥٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>