للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولا: تعريف العولمة العولمة لفظ مأخوذ من (عالَم)، وكما أن الناس اختلفوا فيها ما بين مندد ومسدد، فقد اختلفوا كذلك في تعريفها، ولكن يكاد يتفق الجميع على حد أدنى، وهو اصطباغ عالم الأرض بصبغة واحدة شاملة لجميع من يعيش فيه، وتوحيد أنشطتهم الاقتصادية والاجتماعية والفكرية من غير اعتبار لاختلاف الأديان والثقافات، والجنسيات والأعراق ((١).

فمهما تعدّدت السياقات التي ترد فيها (العولمة)، فإن المفهوم الذي يعبّر عنه الجميع، في اللغات الحيّة كافة، هو الاِتجاه نحو السيطرة على العالم وجعله في نسق واحد. ومن هنا جاء قرار مجمع اللغة العربية بالقاهرة بإجازة استعمال العولمة بمعنى جعل الشيء عالمياً. وكل هذا لا يخرج عن اعتبار العولمة -في دلالتها اللغوية أولاً- هي جعل الشيء عالمياً، بما يعني ذلك من جعل العالم كلِّه وكأنه في منظومة واحدة متكاملة. وهذا هو المعنى الذي حدّده المفكرون باللغات الأوروبية للعولمة Globalization في الإنجليزية والألمانية، وعبروا عن ذلك بالفرنسية بمصطلح Mondialisation، ووضعت كلمة (العولمة) في اللغة العربية مقابلاً حديثاً للدلالة على هذا المفهوم الجديد ((٢).

وتظهر مشكلة العولمة في هذا التعريف، فطالما أن الأعراق متنوعة، والثقافات متعددة، والأديان مختلفة، والأهواء متباينة، فمن يحكم هذه الصبغة الواحدة؟ من يضع ضوابطها ويحدد قوانينها؟ ثم كيف يلزم تاجر صغير كان يعيش في أرضه آمناً في سربه، عنده قوت يومه، بمزاحمة غيره من العمالقة له في أرضه؟ وإذا كان هذا محتملاً لكون العصفور يرزق مع النسر، وتلك الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً؟ فبأي مبرر تلغى عادات الناس وأنماطهم الاجتماعية؟ ومن الذي يضع الصبغة الجديدة للوحدة الاجتماعية؟ وكيف ألزم بلايين البشر بغسل أدمغتهم، وتنظيفها من فكرهم الأصيل لآخر دخيل؟


(١) انظر ((فن الشعر)) (ص٦٤) ((مذاهب الأدب الغربي)) (ص٧٦) و ((أثر الرمزية الغربية في مسرح توفيق الحكيم)) (١٨ـ ١٩).
(٢) ((مذاهب الأدب الغربي)) (٧٦,٧٧) , وانظر ((الأدب المقارن)) (٣٩٩ ٤٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>