للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أ- العلاقة بين الثقافة الإسلامية والعولمة]

إن الله هو رب العالمين، والدين الذي ارتضاه للعالم هو الإسلام وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:٨٥]، وقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، فأدى الرسول الكريم رسالة ربه، فخاطب العرب والعجم، بل دعا الثقلين، ثم أخبر من لا ينطق عن الهوى بأن دين هذه الأمة ظاهر، وأنه أكثر الأنبياء تبعاً. فأمة الإسلام مبعوثة لتنقل ركناً ركيناً من أركان الثقافة إلى البشرية بل إلى العالم، فقد قال الله تعالى عن نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ [يس:٧٠ - ٧١] ومما قيل في معناها: "لينذر بهذا القرآن المبين كل حي على وجه الأرض" (١).

وقال سبحانه: قل ما أسألكم عليه من أجر قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ [ص:٨٧]، وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ [يوسف:١٠٤]، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:١٠٧]، وقال سبحانه: تبارك الذي نزل الفرقان على عبده تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:١]، وما أرسلناك وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [سبأ:٢٨].وفي حديث الصحيحين: ((أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي، قال صلى الله عليه وسلم: كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة)) (٢).

فاستجاب نبينا صلى الله عليه وسلم لأمر ربه وبدأ بدعوة قومه، فاستجاب له قلة وجمع من الضعفاء على استخفاء، أما الأقوياء والكبراء فقد فرحوا بما عندهم من العلم، وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [سبأ:٣٥] فجاهروا بصريح العداء، وزعموا أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم معتقدات (راديكالية) بالية، لها جذور قديمة، لا أساس لها من الصحة إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأَوَّلِينَ [الشعراء:١٣٧]، وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا [الفرقان:٥].

ولكن سنة الله في الأمم تمضي فما هي إلاّ سنوات قلائل حتى تغيرت الحال، ومما امتن الله به على عباده المؤمنين: وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الأنفال:٢٦].

وتنفيذاً لأمر الله لم يكتف صلى الله عليه وسلم، بدعوة من بدأ بهم من عشيرته الأقربين، فدعا قومه ثم سائر العرب، بل خاطب الأمم والشعوب ممثلة في عظمائها، وكان من ثمرات ذلك إسلام بعضهم كالنجاشي بأرض الحبشة، وإقامة جسور للدعوة بأرض مصر عن طريق الاتصال بمقوقسها، أما كسرى فمزق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فمزق الله ملكه، وعظيم الروم آثر اتباع الهوى من بعد ما تبين له الحق.


(١) ((موجز تاريخ النقد الأدبي)) (ص١٣٢) وانظر ((الأدب ومذاهبه)) (ص١٠٦).
(٢) ترجمها للعربية: يوسف محمد رضا، وفى سلسلة ((تراث الإنسانية)) (١/ ٢٣٣) "وقد أثارت ضيق رجال حتى نادى أحدهم بحرق موليير حيا "

<<  <  ج: ص:  >  >>