للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تمهيد]

قامت الاشتراكية في القرن التاسع عشر الميلادي في البداية بسبب النزاع المرير بين العمال وأصحاب العمل في طلب العمال زيادة أجورهم وامتناع أصحاب العمل في الوقت الذي كان أصحاب العمل يستغلون العمال أسوأ استغلال دون رحمة بهم ثم ظهرت الآلات الصناعية الحديثة فإذا بأصحاب العمل يفضلونها على الأيدي العاملة لوفرة إنتاجها وقلة ما تحتاج إليه من العمال لتشغيلها فاستغنى أصحاب العمل عن كثير من العمال فنشأت البطالة ومشاكلها العديدة ومن هنا نشأت فكرة التوجه بالمطالبة بإصلاح هذه الأحوال الاقتصادية المضطربة والحد من التنافس بين الناس في الاستئثار بالمال وجمعه الذي يسبب الصراع بينهم وكان هذا في الوقت الذي أفلس فيه الدين النصراني عن حل أي مشكلة من هذا النوع بل كان عاملا قويا في ظهور اللادينية والمذاهب المنحرفة المختلفة التي قامت من أول يوم على محاربة كل الأوضاع السيئة التي كانت قائمة واستبدالها بأنظمة جديدة تكفل للناس حقوقهم وحرية معيشتهم وكان من بين تلك الأفكار ظاهرة القول بالاشتراكية ومحاربة الملكية الفردية وما جاء بعدها من أهوال الشيوعية.

والواقع أن الاشتراكية أقبح مذهب عرفته البشرية وأشدها شرا على الإطلاق فقد ذهب ضحية تطبيقها مئات الملايين قتلا وجوعا وتشريدا في أوروبا البعيدة عن أراضي المسلمين وعن عقائدهم وتاريخ حضارتهم أيدتها اليهودية العالمية وبذلت كل ما استطاعته لتأييدها وتقوية نفوذ أتباعها لما عرفوه من عواقبها الوخيمة على الجوييم وتم لهم ذلك وانتشر هذا الفكر الذي يجعل الخراب والدمار وظل سنوات عديدة في أوج قوته إلى أن أذن الله في إذلاله وإذلال أتباعه فخرج عنه الكثير ممن أنعم الله عليهم بالعقل والتفكير السليم وداسوه بأقدامهم وتنفسوا الصعداء وهالهم ما كانوا فيه من الغبن الفاحش أيام جثومه على صدورهم وتيقنوا أنه مذهب جهنمي صاغه شياطين الإنس والجن بمباركة إبليس اللعين لهم على يد انجز وكارل ماركس ومن جاء بعدهما مثل لينين وستالين إلى أن بدأ عهد جورباتشوف برئاسة ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي ومن الغريب والعجيب والهول الشديد أن بعض البشر ممن هم أشباه القردة والخنازير لا يزالون ينادون به ويتبجحون بأنهم فرسان الاشتراكية لعنها الله ولعنهم وأركسهم في جهنم جميعا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:١٧٩].

وإذا كان لأهل أوروبا ظروفهم التي أنتجت الدعوة إلى الاشتراكية في القرن التاسع عشر الميلادي وما بعده فما بال الدول والشعوب التي تدعي الإسلام وأنه دستورهم، ما بالهم دخلوا تحت هذا اللواء الأحمر الذي يشير دائما إلى سفك الدماء وما هي الظروف التي ألجأتهم إلى المناداة بالاشتراكية الماركسية ألم يجدوا في الإسلام ما يسعدهم؟ بلى ولكنهم ما طبقوه إن لم نقل ما عرفوه أساسا. ويطول عتاب هؤلاء وخصامهم ولكن لا يمكن إغفال فريتهم الكبيرة التي تدل على مدى خبثهم وجهلهم، تلك الفرية التي ظهرت تنادي بأن الاشتراكية أساسها إسلامي وأنها تسير جنبا إلى جنب مع التعاليم الإسلامية بل وإن واضع أساسها في الإسلام – ليس هو كارل ماركس اليهودي الحاقد – بل إنه أبو ذر الغفاري وأم المؤمنين خديجة بنت خويلد التي سميت عندهم " أم الاشتراكية" (١).بل وفي خطاب ألقاه جمال عبد الناصر زعم فيه بكل وقاحة أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو إمام الاشتراكيين (٢). سبحان الله ما أعظم حلمه فأين الرسول صلى الله عليه وسلم وأين أم المؤمنين خديجة وأين أبو ذر الغفاري وأين الاشتراكية؟ إنها كذبة تكاد تهد الجبال وخدعة مكشوفة قبيحة أراد أصحابها تحبيب الوجه الكالح للاشتراكية إلى قلوب المسلمين لأنهم أرادوا وقد وقعوا فيها واصطلوا بنارها أن يجروا غيرهم إليها.

وما أشبه حالهم بحال الثعلب الذي قطع ذيله فجاء إلى بقية الثعالب يحبب إليهم أن يقطعوا ذيولهم لينعموا بالخفة والرشاقة!!

المصدر:المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي ٢/ ١٠٢٢


(١) انظر كتاب ((الفكر السياسي)) (ص ١٧٣).
(٢) ((النظام الاقتصادي في الإسلام)) ـ (ص ٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>