للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأي مصلح ينادي بالكف عن المنكرات والإقصار عنها صاحوا به: إنه يريد كبت حريات الناس، إنه متزمت ومتشدد، وما إلى ذلك من الدعايات الباطلة ضده. وحينما تعرف الحريات بأنها الإنطلاق في الرأي استغل دعاة الحرية اللادينية هذا المفهوم ونادوا بما يسمونه باحترام الرأي والرأي الآخر. وهم يريدون الانطلاق في الرأي الذي يؤدي في النهاية إلى انتكاسة البشرية وفرض آرائهم العلمانية والعقلانية والشعوبية والقومية وكل النعرات الجاهلية، وكذا تعريف الحرية بأنها الانطلاق في الاعتقاد في القول وفي الفعل. فإن دعاة تلك الحرية الباطلة لا كابح لجماحهم انطلقوا في الاعتقاد في القول والفعل إلى الرذائل والآراء السقيمة والنظريات السخيفة بحكم حرية الاعتقاد في القول فملؤوا إذاعاتهم وصحفهم ونشراتهم بما يستحي صاحب العقل والذوق أن يقوله أو يفعله دون أي حياء لديهم أو وازع من ضمير، وصدق عليهم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((إذا لم تستح فاصنع ما شئت)) (١).

ولن يجد الإنسان الحرية الصحيحة إلا في عبادة ربه والخضوع له وحده لا شريك له كما أنه لا حرية مع عدم طاعة الله تعالى فإن من لم يذل لله أذله الله لغيره.

أسماء الإلحاد

ومن الجدير بالذكر أن للملاحدة أسماء كثيرة اخترعوها من واقع عقيدة كل مجموعة مع الأخذ في الاعتبار أن الملاحدة كلهم متفقون على اعتقاد الإلحاد ولكنهم يختلفون بعد ذلك حسب الآراء والأهواء فتأتي التسمية من ذلك الواقع.

فالماديون: أخذت تسميتهم من اعتقادهم أن وجود جميع هذا الكون إنما هو تابع لوجود المادة التي ليس وراء وجودها أي وجود مؤثر في الإيجاد.

وقسم منهم يسمون " الطبيعيون " بسبب اعتقادهم بأن التغيرات التي تحصل على المادة إنما تحصل بأسباب ذاتية يرجع إلى طبيعة المادة.

وبعضهم يعتقد أن تلك التغيرات إنما تحصل بالآلية في حركة ذرات المادة فقيل لهم أصحاب المذهب الآلي.

وبعضهم يعتقد أن المادة ترجع إلى ذرات صغيرة جدا متجانسة، والتغيير إنما يرجع فيها إلى شكل التأليف والتركيب بينها، فسموا أصحاب المذهب الذري.

وبعضهم لم يعتقد إلا بما يحسه فقط فقيل لهم "حسيون".

وبعضهم يردد كلمة الواقع المدرك بالحس، أو الواقع المدرك، أو الواقع الملموس، وأشباه هذه العبارات فقيل لهم "الواقعيون".

وبعضهم اتخذ اسم " الوضعية ". وبعضهم زعم أن الأشياء توجد أولا ثم تصنع الأفكار ماهيتها فسموا بالوجوديين (٢).

وهكذا تعددت الأسماء، والهدف النهائي واحد هو الإلحاد ويبقى الاختلاف بينهم لفظيا لتسهيل مغالطاتهم الناس من وراء كثرة تلك الأسماء ليحتدم الخلاف حولها بين الناس وإشغالهم بها فقبحهم الله ما أكثر أسماءهم وما أقل نفعهم.

المصدر:المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي ٢/ ١١٨٢


(١) ([٤١١]) ((مجلة رابطة العالم الإسلامي)) (٢٩٠).
(٢) ([٤١٢]) الصحيح أن يقول: النصراني، لأن هذا هو الاسم الصحيح لهم في القرآن الكريم.

<<  <  ج: ص:  >  >>