للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر فى هذا [البيت] (١) حكم الاستعاذة، والكلام عليها من وجوه:

[الأول: فى محلها.]

وهو قبل القراءة اتفاقا.

وأما قول الهذلى فى (كامله): قال حمزة فى رواية [ابن] (٢) قلوقا: «إنما يتعوذ بعد الفراغ»، وبه قال [أبو] (٣) حاتم، فلا دليل فيه؛ لأن رواية ابن قلوقا عن حمزة منقطعة فى «الكامل» لا يصح إسنادها، وكل من ذكر هذه الرواية [عنه] (٤) كالدانى والهمذانى، وابن سوار، وغيرهم لم يذكروا ذلك؛ ولذا (٥) لم يذكر أحد عن أبى حاتم ما ذكره الهذلى، ولا دليل لهم فى الآية (٦)؛ لجريانها (٧) على ألسنة العرب وعرفهم (٨)؛ لأن تقديرها: إذا أردت القراءة؛ كقوله: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة: ٦]؛

وكالحديث: «من أتى الجمعة فليغتسل» (٩)، وأيضا فالمعنى الذى شرعت له يقتضى تقدمها، وهو الالتجاء إلى الله تعالى


(١) سقط فى م.
(٢) سقط فى ص.
(٣) سقط فى ز، م.
(٤) سقط فى م.
(٥) فى م، د: وكذا.
(٦) يعنى قوله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ [النحل: ٩٨]؛ حيث دلت هذه الآية على أن قراءة القرآن شرط، وذكر الاستعاذة جزاء، والجزاء متأخر عن الشرط؛ فوجب أن تكون الاستعاذة متأخرة عن القراءة.
وقد قيل فى تأييد هذا الاستدلال: إن هذا موافق لما فى العقل؛ لأن من قرأ القرآن، فقد استوجب الثواب العظيم، فربما يداخله العجب؛ فيسقط ذلك الثواب؛ لقوله- عليه الصلاة والسلام-: «ثلاث مهلكات ... »، وذكر منها إعجاب المرء بنفسه؛ فلهذا السبب أمره الله- تعالى- بأن يستعيذ من الشيطان؛ لئلا يحمله الشيطان بعد القراءة على عمل محبط ثواب تلك الطاعة.
قالوا: ولا يجوز أن يكون المراد من قوله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ أى: إذا أردت قراءة القرآن؛ كما فى قوله تعالى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا [المائدة: ٦] والمعنى: إذا أردتم القيام فتوضئوا؛ لأنه لم يقل: فإذا صليتم فاغسلوا، فيكون نظير قوله: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ وإن سلمنا كون هذه الآية نظير تلك.
فنقول: نعم، إذا قام يغسل عقيب قيامه إلى الصلاة؛ لأن الأمر إنما ورد بالغسل عقيب قيامه، وأيضا: فالإجماع دل على ترك هذا الظاهر، وإذا ترك الظاهر فى موضع لدليل، فإنه لا يوجب تركه فى سائر المواضع لغير دليل. ينظر اللباب (١/ ٨٢، ٨٣).
(٧) فى م: بجريانها.
(٨) فى ص: وغيرهم عرفهم.
(٩) قال جمهور الفقهاء: إن قوله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ يحتمل أن يكون المراد منه: إذا أردت، وإذا ثبت الاحتمال، وجب حمل اللفظ عليه؛ توفيقا بين الآية وبين الخبر المروى عن جبير ابن مطعم- رضى الله عنه- أن النبى- صلى الله عليه وسلم- حين افتتح الصلاة قال: «الله أكبر كبيرا: ثلاث مرات، والحمد لله كثيرا: ثلاث مرات، وسبحان الله بكرة وأصيلا: ثلاث مرات، ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه». والحديث أخرجه البخارى (٣/ ٥٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>