للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>


الصفحة ٤
ــ
ـ[عمود:١]ـ
كلها من البدع
والمحدثات هو أنها لم تكن موجودة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا على عهد خلفائه الراشدين, وإن لم تصدقوا بهذا فأروني ماهي طريقة سيدنا أبي بكر وما هي طريقة سيدنا عمر وما هي طريقة سيدنا عثمان وما هي طريقة سيدنا علي وأين هي زواياهم إن كنتم تزعمون أنهم كانوا أصحاب طرق وزوايا, فقال أحد الحاضرين: في هذه الطرق زيادة خير على كل حال, فقال له الرجل: ويحك يا هذا! ألا يكفيك ما كان يكفي الخلفاء الراشدين؟ أما وسعك ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل تستطيع أن تكون أكثر فعل للخير من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه المطهرين؟ ويحك ما هذا الكلام الذي تقول!؟ والتفت الرجل إلى الحاضرين وجعل يقول لهم: يا إخواني! لماذا نرضى لأنفسنا أن نكون من الذين قال الله تعالى فيهم: (((ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله))) ولا نكون من الذين أثنى عليهم تعالى بقوله: (((والذين آمنوا أشد حبا لله)))؟ ندعي أننا مؤمنون بالله ولا نشرك به شيئا ولكننا من الذين إذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة؛ وإذا ذكر الذين يدعون من دونه إذا هم يستبشرون. وهكذا جعل يعظهم بآيات الله حتى وجلت قلوبهم وفاضت بالدمع أعينهم. والتفت إلى الحجاج خاصة وقال لهم يا حجاج بيت الله الحرام اتقوا الله في الأرض المقدسة ولا تفتروا عليها الكذب, ولا تنفروا الناس منها وحدثوا عنها بأحسن ما رأيتم فيها, فإنه ما من حاج جاء يفتري على حكومة الإسلام في الحجاز وينتقصها ويتهمها ظلما بغير حق إلا كان ذلك دليلا على أن الله رفض حجته ولم يتقبلها منه, وما من حاج جاء يلهج بذكر الحكومة الإسلامية في الأرض المقدسة ويتحدث عنها بأحسن ما شاهد وبخير ما رأى إلا كان ذلك دليلا على أن الله قد قبل حجته قبولا حسنا وقد رأيت رجلا حج عدة مرات, ولكن نفسه ما زالت مظلمة خبيثة يفوح نتنها ويطلق لسانه في دولة القرآن التي تقيم حدود الله, وهو يفتري

ـ[عمود٢]ـ
عليها الأكاذيب والأقاويل لا يقول عنها ما هو حق وهو في الحقيقة بعمله هذا ينفر الناس من الحج ويدعوهم إلى ترك هذا الركن من أركان الإسلام ولا فرق عندي بينه وبين من يدعو جهرة إلى ترك الصلاة, على أنه كلما أراد الحج إلا وطاف في البلدان يتكفف ما في أيدي الناس ويسألهم المعونة على الحج فيحج ببعض ما يتصدقون به عليه ,
وينفق على نفسه ما بقي فهو يريد الاكتساب وجمع المال ولا يريد الحج. . . وجعل الرجل ينصح الحجاج بهذه النصائح الغالية ثم طلب منهم أن يدعو له الله أن يسهل عليه طريقه هو الآخر إلى بيت الله الحرام.
قال الحاج صاحب الدار: فأثر كلام هذا الرجل في نفسي تأثيرا عظيما وقلت له: أما أنا فالله يعلم أن قلبي قد طفح بالفرح والسرور عندما رأيت بنفسي أنه لا حكم في الحجاز إلا حكم الله؛ وأن القائمين على تنفيذ هذا الحكم الإسلامي إنما هم عرب مسلمون إخواني هم مني وإلي وأنا منهم وإليهم. ولا أظن أنه يوجد مسلم على وجه الأرض لا يتمنى من صميم فؤاده أن يملأ حكم الله الدنيا كلها وأن يشمل من في الأرض جميعا كما هو قد ملأ الحجاز وشمل أهل الحجاز وأما القباب المهدومة فإن الحكومة العربية الإسلامية السعودية قد أحسنت كثيرا إلينا معشر الحجاج؛ فإنها بذلك قد وجهت وجهتنا كلها إلى الله وحده فأقبلنا عليه تعالى بأفئدتنا وقلوبنا وبأسماعنا وأبصارنا وكان حجنا إليه خالصا وكنا نقضي مناسكنا مخلصين له الدين ولولا ذلك لتوزعت نياتنا ولكان لنا في حجنا من هذا القباب شركاء مع الله على أننا ذهبنا بنية أن نحج إلى بيت الله الحرام ونزور قبر سيد الوجود صلى الله عليه وسلم ولم تكن نيتنا أن نحج إلى تلك القباب المنصوبة أو المهدومة ولو لم يكن ذلك مرادنا لما حملنا أنفسنا مشقة السفر إلى الحجاز ولاكتفينا بزيارة هذه القباب التي ملأت علينا بلادنا سهولها وجبالها فمن منا يصعد جبلا أو يهبط أرضا أو يقطع واديا دون أن يجد كثيرا من القباب و ((المزارات))؟ وإني أعتقد أن بعض المطوفين في الحجاز هم

ـ[عمود٣]ـ
أيضا يهولون من أمر هذه القباب المهدومة, ويبالغون في تعظيمها ويكثرون من التأسف عليها ويصفونها بعبارات مؤثرة تبعث في أنفس الحجاج الحسرة والأسى وتسثتير حزنهم على ذهابها وحنقهم على هادمها (!!) يقول المطوف للحاج مثلا: هنا كانت قبة سيدنا فلان صفتها كيت وكيت, وهدمها الملك! وهنالك في موضع كذا كانت قبة سيدتنا فلانة, ويصف هذه القبة بأروع الصفات وأجمل النعوت, ثم يقول له: وقد هدمها الملك أيضا! فيظن الحاج المسكين أنه بذهاب هذه القباب قد فاته خير كثير.
ولو أن الحكومة العربية السعودية قد نظرت في أمر هؤلاء المطوفين الذين يشوهون سمعتها عند الحجاج فوضعت لهم نظاما كالنظام الذي وضعته كثير من حكومات أروبا للأدلاء والمترجمين الذين يرافقون السواحين الذين يزورون بلادها لحسنت سمعتها ولقضت على هذا النكير الذي يثيره عليها الجامدون من المسلمين ولسلمت من هذه التهم والأقاويل التي تشاع عنها في كثير من بلاد الإسلام ولعلها فاعلة إن شاء الله.
قال الراوي صاحب الدار: فقال لي الرجل هكذا تكون النفوس الطيبة الطاهرة يزكيها الحج والعمل الصالح فتزداد طيبا على طيب وطهرا على طهر ويعبق عطرها وعبيرها, وإننا لنعتقد أن الله قد تقبل حجتك قبولا حسنا, وآية ذلك أننا نرى محياك يشرق هدى ونورا, قال فسألت الله أن يحقق لي ما يقول هذا الرجل الصالح.
محمد السعيد الزاهري

النبراس جريدة أسبوعية تصدر بالعاصمة
تعزز جانب الصحافة الدينية الوطنية بهذه الصحيفة التي أصدرها صديقنا الأستاذ أبو اليقظان نائب أمين مالية جمعية العلماء المسلمين الجزائريين صاحب (الصحف العديدة المعطلة) فنرحب بها راجين لها من الأمة الإقبال والرواج وللأمة منها إنارة الوهاد والفجاج وجزى الله صاحبها المفضال عن الثبات والصدق خير جزاء العاملين.

<<  <  ج: ص:  >  >>