للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبلاغات فيها، والبطء المملّ في سير النوازل، والتغاضي لبعض القضاة عن الهنات الأخلاقية المخلّة بشرف القضاء، المشوّهة لسمعته، وإبعاد مراكز القضاء عن المتقاضين، وإرادة فتح باب التخيير للمتقاضين بين القاضي المسلم وبين القاضي الأوروبي، كل ذلك وما أشبهه يرمي إلى تنفير المسلم من القضاء الإسلامي وتزهيده في التحاكم إلى القاضي المسلم، واختياره للقضاء الفرنسي، وإن مسألة الأسابيع الماضية التي سمّيناها إرهاصًا لنذير من النذر، لأن الآثار اللازمة لها كثيرة منها تطفيف المنفعة المادية للقضاة والتضييق لدائرة نفوذهم، والتقليل للتردّد عليهم والاتصال بهم، وهذا باب من أبواب التزهيد فيهم، فإذا أضفت إلى هذا الباب فصل السلوك والسيرة كان زهدُ المسلم في القاضي زهدًا محقّقًا، وكان إلغاء هذا القضاء المتمثّل في هذا القاضي أمرًا مرغويًا فيه.

إننا نريد لقضائنا حرمة ومكانة، ونريد لرجاله سمعة ومنزلة، ونغار عليهما، وندافع عنهما بحمية وحماسة، ونطالب بإصلاح القضاء ثم باستقلاله، ونرى أنه لا عزّ لأمة إلا بعزة قضائها وقضاتها، ولكن بعض القضاة كانوا بأقوالهم وأعمالهم عونًا علينا، وكانوا مع الاستعمار إلبًا على مطالبنا، وكأنهم ضمنوا لأنفسهم الخلود في هذه الوظائف المهينة، فاطمأنوا لهذه (الخبزة) الذليلة، فذاقوا وبال أمرهم حين سيموا الخسف بالأمس، وحملوا على خطة الهوان، فلم يجدوا وليًّا ولا نصيرًا.

حقيقة ... إن بعض القضاة أعوان للقضاء على القضاء ...

وبعد ... فنحن لا يهمنا أن يشغل المجلس الجزائري نفسه بالتوافه، ولا أن يعمر أوقاته بالفراغ، ولا أن تنجلي معاركه عن غير فتح ولا غنيمة، فإن كل واحد ميسر لما خلق له، وإن كثيرًا من الأشياء المنسوبة إلينا، المحسوبة علينا، هي من باب كلمة " Stop" في البرقية، تدخل في حساب جيوبنا، لا في حساب مصلحتنا، فندفع ثمنها من غير أن نستفيد منها شيئًا.

وإنما يهمّنا أن القضية من صميم الدين، فكان الواجب أن يُرجع فيها إلى أهل الدين وهم المسلمون وحدهم، وكان من اللياقة والحكمة أن يُستشار فيها أهل العلم بالدين، لأنهم أدرى بالخلل وبوجوه إصلاحه، وما شأن النواب غير المسلمين في هذه القضية الإسلامية البحتة؟ مع أن المجلس مبني من أول يوم على التفريق بين جنسين لكل منهما صندوق انتخاب، لأن لكل منهما مصالح تخصه، أم أن أولئك النواب يعتقدون أن القضاء الإسلامي ليس من الدين؟

<<  <  ج: ص:  >  >>