للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل الدين عن الحكومة (١٥)]

أهذه هي المرحلة الأخيرة من قضية:

فصل الحكومة عن الدين *

ــ

- ٥ -

... ولو أن أفراد هذه الطائفة رُزقوا بصائر ينظرون بها الأشياء على حقيقتها، وعقولًا يُدركون بها الأمور باعتبار غاياتها وعواقبها- لعلموا كما علمنا أن هذه الحكومة سائرة على مذهب استعماري دوّنه (أئمتها) الأولون، وهذبه (شراحها) المتأخرون، وإنها بالغة من ذلك المذهب إلى غايته، أو ملاقية حتفها دونه كما يقول العرب؛ وأنها من قساوة القلب وجمود العاطفة بالدرجة التي لا تؤثر فيها الأحاديث البليغة، ولا الأحداث البالغة- ذلك المذهب هو ترحيل الإسلام من المحراب، ليتسنى لها ترحيله من الجامع، ثم الوطن.

هذا نص المتن، وجاء (شرّاح) هذا المذهب (المحققون) فأرشدوا إلى وسائل تلك الغاية، وبينوا السبل المؤدية إليها، فأفاضوا وأطنبوا، إلى أن جاء بعض حذاقهم البارعين في بناء فقه السياسة على علم النفس- على غير طريقة فقهائنا الجامدين- فأرجع الوسائل الكثيرة المتشعبة إلى وسيلة واحدة، وهي ترحيله- أولًا وقبل كل شيء- من نفوس هذه الطائفة القائمة بالدين في نظر الناس، لأنها هي المباشرة للمساجد، والقائمة بالشعائر فيها، والمسجد هو مرجع المسلم ومتقلبه، فهو الذي يُغذي الإسلام في نفسه، بما يتردد عليه خمس مرات في اليوم والليلة، وبما يسمعه فيه من قرآن وخطب ودروس، وهو الذي يكوّنه ويوجهه، بما يصبغه به من ألوان ثابتة، وبما ينفض عليه من روحانية قوية، وبما يغشى في جوانبه من فضائل أصيلة، وبما يُشيع في دخائله من أنوار وهاجة، وبما يغرسه فيه من آمال شريفة، وبما يطبعه عليه من أخلاق قويمة، وبما يخطه له من سبل للسعادة، وبما يركبه فيه من استعداد للعزة والسيادة، وعليه فالواجب الاعتناء بهذه الطائفة، وإعدادها (للتفريغ) من هذه المعاني كلها، وجرها بعاملين من الرغبة والرهبة حتى تستشعر أن مرجعها الوحيد في مصالحها الشخصية هو الحكومة، وتتدرج من ذلك إلى الشعور بأن مرجع الدين وشعائره هو


* نشرت في العدد ١٤٢ من «البصائر»، ١٢ فيفري عام ١٩٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>