للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حملتنا المشهورة على البدع والضلالات حتى قوّضنا أركانها، وأتينا بنيانها من القواعد؛ فتلك بيوتها خاويةً بما أقر أهلها من منكر، وما هجروا من معروف، وقد أصبح من أكبر أعواننا عليها ربائب حجورها، ولسائب (١) جحورها، وأفراخ وُكُورِهَا، ممن هداهم الله وأنار بصائرهم بالحق، وإن سائرهم لسائر في طريق الهداية، ومن لم يهده القرآن، وكلناه إلى الزمان، ونعم المربي هو ...

فلما بلغنا الغاية من ذلك التطهير- أو كدنا- انكفأنا إلى هذه الضلالة الناعمة بالأمن، النائمة في ظلّ القوّة، وهي بقاء مساجد الإسلام ورجاله وأوقافه وشعائره في يد غير يد أبنائه، تصرفه على ما تريد، لا على ما يريد الإسلام، وإنها لكبيرة عند الله وعند صالحي عباده أن يعطي المسلم الدنية في دينه، وها نحن أولاء نعمل- في غير كلل- على تطهير الإسلام من هذه الضلالة كما طهرناه من الأولى، وإنا لمتبعو أخراهما بأولاهما؛ وإن لاذت بالفرقد، أو عاذت ببقيع الغرقد، وإننا لا نبالي في عملنا بطول الزمن، وتوالي المحن؛ فما الزمن إلّا من أعواننا، وما المحن- وإن توالت- إلّا مسانّ لعزائمنا، وما أعمارنا في عمر الإسلام إلّا دقيقة من دهر، فلننفقها في ما يعليه ...

وهذا المنهج الذي سلكناه وقدرناه من أول خطوة، هو الذي يجلي عذرنا في السكوت عن بعض الباطل إلى حين، مثل سكوتنا عن الصلاة خلف أئمة الحكومة، وتلامذة الفقه المعكوس، فلا يقولن قائل: ما عدا مما بدا، وإنّ لنا في رسول الله لأسوةً حسنة، فقد كان يسكت عن أهون الشرين إلى حين، لخفة ضرره، أو عن أعظم الشرين إلى حين، ليرصد له القوى ويستجمع الوسائل، وكلاهما شر، وكلاهما باطل من يوم جاء الحق، ويا ليت قومنا يعلمون السر في مناجزته للشرك، وإرجائه للخمر، أو في تقديمه للتبني، وتأخيره للاسترقاق.

...

وهذه القضية هي الجزء الأهم من أعمال جمعية العلماء لأهميتها في ذاتها، ولأثرها البليغ في نفسية الأمة، شرًّا في طورها القديم الذي نريد تخليصها منه، وخيرًا وبركة في طورها الجديد الذي نريده لها ونريدها له، ولمنزلتها الرفيعة في القضية الوطنية العامة، وتشاركها في هذه المزايا كلها- قضية التعليم العربي؛ والقضيتان متلازمتان، لا تنفك إحداهما عن الأخرى، ونظرتنا إليهما نظرة واحدة ... نرى فيهما شيئًا لا تتم حياة هذه الأمة إلّا به، فالإسلام والعروبة دعامتان تمسكان هذا الوطن أن يزول، وفي فصل الإسلام عن


١) اللسب هو اللدغ، لسبته الحية: لدغته.

<<  <  ج: ص:  >  >>