للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدخل العربي إلى الآخر خائفًا وجلًا منزعجًا مسلوبَ الإرادة والحرية لا يرى حوله إلا إرهابًا وسلاحًا وألسنةً تتوعّد، وأيديًا تتهدّد، وأعينًا ترمي بالشرر، ويعطي ورقته لمن يُراد منه لا لمن يريد، إن من يرى هذا المنظر لا يعجب إذا رأى بعد ذلك أن الفائزين في الصندوق الأول نوّاب وإن اختلفوا في المبادئ، وان الفائزين في الصندوق الثاني نوائب وإن سمّوا أنفسهم "مستقلّين".

...

يا قوم: نحن وأنتم من أمّة جرى عليها القدر بأن يفرض عليها الاستعمار كل شيء فرضًا، وأن لا يعتبر رأيها حتى في أمسّ الأشياء بحياتها، وأن لا يسمع لها صوتًا ولو ردّد صداه المشرقُ والمغرب. آية ذلك أن الأحزاب الفرنسية من اليمين إلى اليسار- وشأنها الاختلاف في كلّ شيء- اتفقت على احتقارنا وعدم المبالاة بنا في شيء يخصّنا وهو دستور الجزائر، فوضع كلّ حزب للجزائر دستورًا بنى أصوله وفروعه على ما يوافق هوى حزبه لا على ما يوافق مصلحة الجزائر ورغبة أهلها؛ كأن الوطن موات، وكأن أهله أموات، وكأن تسعة ملايين مسلم كلهم أطفال قاصرون يتحكم في مصالحهم الأوصياء والقضاة وليس فيهم رجل رشيد.

وبين تنازع الأحزاب ومعاكسة الحكومة وُلد هذا الدستور الأبتر الذي أنتم ومجلسكم من ثمراته. ولم يوجد في الدنيا شيء يجمع بين كونه مسخوطًا عليه كأنه نقمة، ومحسودًا عليه كأنه نعمة، إلا هذا الدستور، فما أشبه هذه الأمّة بقول القائل:

"حتى على الموت لا أنجو من الحسد"

وبين سخط الساخط وحسد الحاسد جرت أمور، ونُصبت جسور، وصلتم منها إلى هذه المقاعد؛ فهل أنتم- بعد خمود الفورة والصحو من نشوة الفوز- شاعرون بواجبكم، ومقدّرون لمسؤوليتكم؟

لا نطالبكم بما هو خارج عن نصوص الدستور، فما أنتم لذلك بأهل. وما نحن بالذين نكلّفكم الشطط، أو نطالبكم بما ليس في الطاقة، وأنتم رجال، للوطن عليكم حق الأبوّة، وللأمّة عليكم حق الأمومة؛ فهل أنتم عارفون بحقوق الأبوين؟

إن مَنْ لم يكن منكم عالمًا لن يخطئه أن يكون عاقلًا، ومهما بلغتم من المكانة عند أنفسكم، أو بلغ بكم الحظ عند غيركم، فلن تستغنوا عن وعظ واعظ، ونصيحة ناصح، ولو شئنا أن نلقّنكم درسًا مختصرًا في معنى الشرف والرجولة لقلنا لكم: إنه لا شرف في الوصول إلى ما وصلتم إليه بمثل الوسائل التي وصلتم بها، ولا رجولة لمن يرقص على

<<  <  ج: ص:  >  >>