للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقائق *

أقربُ الأعمال إلى التمام والنفع والإثمار ما بني منها على التجربة الاستقرائية الممحّصة، ومن بنى عمله على غير هذه القاعدة فهو مخادع أو مخدوع، وهذا زمن "اجتماعي" لا يؤمن للفردية بوجود، ولا يخضع لها في حكم، ولا يعوّل عليها في عمل، وقد انتقلت فيه الأعمال العامة من أيدي الأفراد إلى أيدي الجماعات والجمعيات، فازدادت تلك القاعدة تمكنًا وتأكّدًا؛ ووجب على الجماعات العاملة أن تراعيها في أعمالها حتى لا تفشل وتخيب؛ وإن فشل الأفراد أهون وأبعد عن ردّ الفعل من فشل الجماعات.

من أراد أن يخدم هذه الأمّ فليقرأها كما يقرأ الكتاب وليدرسها كما يدرس الحقائق العلمية. فإذا استقام له ذلك استقام له العمل، وأمن الخطأ فيه، وضمن النجاح والتمام له؛ فإن تصدّى لأيّ عمل يمسّ الأمّة من غير درس لاتجاهها ولا معرفة بدرجة استعدادها كان حظه الفشل.

وأنا رجل ممن هيّأتهم الأقدار لخدمة هذه الأمّة في نواح دقيقة شريفة لا يقبل فيها الزيف، ولا يتسمح فيها مع الباطل؛ من هذه النواحي ما هو أمانة تؤدّى بلا تصرّف، وما علينا إلا أن نقول ونُبلغ، وما على الأمّة إلا أن تسمع وتطيع؛ وهذا هو الدين في سلطانه الأعلى، ومنها ما يقتضي المسايرةَ والمجاراةَ لاستعداد الأمّة، وهذا هو الجانب الاجتماعي، ومنه التعليم.

فأزعم أنني جرّبت ودرست، وأنني قرأت هذه الأمّة وفهمتها كما أقرأ الكتاب وأفهمه، وما هذا ببعيد ولا كثير على من خدم أمّةً ولابسها عشرات السنين معلّمًا مدرّسًا واعظًا خطيبًا، محاضرًا ينتزع مواضيعَ محاضراته من وجوه الجمهور قبل أعمالهم؛ وقد خرجتُ من


* نُشرت في العدد ٤٧ من جريدة «البصائر»، ٣٠ أوت سنة ١٩٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>