للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإذا عذرنا الأم تسمّي ولدها باسم جميل، ثم تأتي أفعال الولد مكذّبة لاسمه فيشفع لها الفأل، فنقول: أرادت شيئًا وأراد الله ضده- وإذا عذرنا الحكومة فيمن تسمّيه عدلًا وتشفع لها الرسوم الاصطلاحية فنقول: راعت ظاهر الشهادة ولم ترع باطن الخلق- إذا كان ذلك كذلك فما بال أصحابنا "علماء السنّة" (١) يتّسمون باسمٍ لا يلتقون مع معناه في طريق ولا يقوم عليه شاهد من أقوالهم ولا ينتزع عليه دليل من أفعالهم- لولا أنها الشعوذة لبستهما فأنكرناهم فيها فلبسوها فأنكرناها عليهم، فخرجوا من باب اللباس إلى باب التلبيس، وقالوا نحن قوم أصحاب أسماء، قد أسقطنا الواقع من اعتبارنا، وأسقطنا الأعمال من حسابنا فلا نرفع بها رأسًا ولا رجلًا، وما دمنا بهذه الصفة وما دامت في الأمة بقايا من البله والغفلة و "النية" (٢) فلندع أنفسنا بالعلماء وإن لبسنا من الجهل سرابيل، ولنسمِّ أنفسنا "علماء السنّة" وإن كنّا نخوض في البدعة خوضًا- فجاء هذا الاسم كما ترى وليس في الأسماء أكذب منه ولا أشدّ منافرة لمسمّاه.

وإذا كان في أفعال العباد ما لا يتمّ إلا بتوفيق من الله، فإن فيها ما لا يتهيأ لصاحبه إلّا بخذلان من الله أيضًا، ومن أمثلته ما تهيّأ لأصحابنا من دعواهم في السنّة دعوى آل حرب في زياد (٣).

ولو كان للسنّة معانٍ يضيع بينها القصد وتختلف وجوه التأويل، لقلنا هم علماء السنّة "الدرهمية" أو "الكسكسية" (٤) ففسّرناها بما هو الأشبه بهم أو لكان لنا عذر في السكوت- ولكن القوم دلونا بكلامهم الذي أذاعوه، وبميزانهم الذي وضعوه ورمزهم الذي ابتدعوه- أنهم يريدون هذه السنّة النبوية- التي قضوا أعمارهم في الكيد لها ومكاثرتها ببدعهم المضلّة- لعمري إنه لا أسخف من هذه الإضافة المتنافرة الجزئين وإذا حلت في ذوق فإنما هو من يسمّى "أبا جهل" عدو الشيطان.

فهل يحسن بنا، وقد أنضينا قرائحنا في تعلّم هذه السنّة المطهرة وبذلنا في العمل بها جهد المستطيع، وركبنا المخاطر في الدعوة إليها، هل يحسن بنا بعد هذا كله أن نسكت لهؤلاء عن هذه الدعوى الباطلة، ونوليهم منّا ما تولّوا ونبلعهم ريقهم، وهل يحسن بنا أن لا يكون لنا في الدفاع عنها ما كان منّا في الدعوة إليها؟ إنا إذن لمقصرون!


١) "علماء السنّة": جمعية أوحت فرنسا بتأسيسها لتضاربها جمعية العلماء. وهي تتكون من الطرقيين ورجال الدين التابعين للإدارة الفرنسية.
٢) النية: كلمة دارجة يستعملها العامة في معاني الغفلة والبله.
٣) إشارة إلى ادعاء معاوية بن أبي سفيان بن حرب نسب "زياد ابن أبيه السياسي العربي الشهير- إلى أهله، وهو ما لم يثبت إلا بالادعاء".
٤) "الكُسْكُسِيَّة": نسبة إلى الأكلة الشعبية المعروفة بالمغرب العربي عمومًا وهي "الكُسْكُسي".

<<  <  ج: ص:  >  >>