للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا سجل واف للقوانين والقرارات المشتبكة حول مسألة واحدة، وهي التعليم العربي بالجزائر، وهي كما ترى من الكثرة بحيث أصبح القانون الأصلي معها كثوب الفقير، كله رُقع، وكله خروق.

ولعل القارئ تهوله هذه الكثرة، وهو لم يقرأ إلا تواريخها وبعض أرقام موادها، وكيف به لو قرأ نصوصها وموادها؟ وما وُضع عليها من الشروح، والحواشي، والتعاليق، والملحقات، والاستدراكات، والزوائد، والإحالات، والتقارير، والبيانات، ولو قرأ كل ذلك لرأى العجب العجاب. وأنسته هذه الكثرة- التي ينسي آخرها أولها- ما نشكو منه من كثرة الشروح والحواشي في كتب فقهائنا المتأخرين ...

وآخر ما يسترعي انتباه القارئ الغافل، من هذا الثبت الحافل، هو تواريخ هذه القوانين والقرارات وتعاقبها وتشابكها وكثرة الإحالات فيها، ففي خمسين سنة وضعت هذه النصوص كلها لمسألة واحدة، وكان أول نصّ منها بسيطًا، ثم تعاهده رجالُ السياسة- بإيعازات من رجال الحكم والإدارة- بالتنقيح والزيادة والتوضيح، حتى وصل إلى هذه الصورة وهذه الكثرة التي تستدعي وضع (كشف ظنون) جديد خاص. ومن يدري؟ فلعلّ واضعه الأول أوصى ببعض ما أوصى به الشيخ خليل في خطبة مختصره بقوله: "فما كان من نقص كملوه" ...

وأنا أشهد أنني اجتمعتُ بجماعة من المحامين، ورجال القانون، وطائفة من العلماء الباحثين، وفئة من أهل الاطلاع الواسع في الشؤون الإدارية، وثلة من المباشرين للمكاتب العامة، وهواة مجاميع الجرائد والمجلّات العلمية والرسمية، وسألت كلًّا منهم عن هذه القوانين وأين توجد مجموعةً، فما عرفوا شيئًا من ذلك، ولا أرشدوني إلى شيء من ذلك، ما عدا ما هو متفرّق في الجريدة الرسمية تفرّقًا شنيعًا، تنفق في جمعه أوقات وجهود، ثم سألت رجال القانون عن فقه هذه القوانين، فأجابني المنصفون منهم بأنه لا فقه لها إلا في أدمغة الإداريين المقلّدين، إذ الشأن في فقه القوانين أن يكونَ (مدهونًا) بالفلسفة الاجتماعية، مطابقًا لروح الزمان والمكان. وهذه القرارات الفردية وهذه القوانين البوليسية لم توضع لإصلاح شيء، وانما وضعت لإفساد شيء، فإذا احتيج فيها إلى شيء فيرجع فيه إلى الفقهاء المفسدين ... قالوا: وهي قبلُ وبعدُ قوانينُ استعمار. قلت لهم: ولا تزول إلا بزوال الاستعمار. قالوا: ولا يبنى على الصالح إلا الصالح. قلت: وكل ما بني على الفاسد فهو فاسد.

<<  <  ج: ص:  >  >>