للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكامن، فالتنفيذ عندهم في هذا الباب، تنفيذ عقوبة لا تنفيذ قانون، وقد بلوْنا ذلك وخبرناه فإذا هو هو في جميع صوره ومظاهره وملابساته، حتى في ردّ الجواب، وهيئة الخطاب.

هذا الذي جأرنا بالشكوى منه هو الذي تقرّره وتثبته هذه الفقرة من هذه المادّة من هذا القانون، فتبنّي الرخصة ونزعها وتعطيل سير المدارس (على الإيعازات) من هذا الصنف الذي ما خلق إلا ليكون شرًّا على ديننا ودنيانا، والذي لا يوعز في حقنا إلا بالهضم والظلم، والشر والتضييق، والذي لا يرضيه عنا شيء، إلا أن ننسلخ من كل شيء، فإلى هؤلاء الذين لا يحكمون فينا بالعدل والقانون، وإنما يحكمون بالعاطفة والشهوة، يكل "المشروع" أمرًا حيويًّا، وعلى إيعازاتهم يبني حياتنا وموتنا.

ونرجع الآن إلى مقارنة بين الفقرة التي نقلناها، وبين ما قبلها. فهذه الفقرة تفاجئ بأن لعامل العمالة أن ينزع الرخصة بإيعاز ... وأية رخصة هذه؟ ولم يجر لها ذكر وإنما جرى ذكر الإخبار المجرّد محفوفًا بالإبهام وما يشبه التناقض، وقد ناقشناه في المفاوضة وأشرنا إليه في المقال الماضي.

ثم تتعثّر هذه الفقرة في إجمال للإيعاز وللسبب الذي ينبني عليه وهو (الذنب الخطير) وقد ناقشت المفاوض الحكومي في هذا التناقض وشرحت له في هذا الموضع رأي الجمعية في أصل (الرخصة) وبيّنت له فسادها وأضرارها، وأبواب التحكمات التي تفتحها علينا، وسجّلنا كل شيء ولكن الرجل مفاوض غير مفوّض ... ثم ألزمته بتحديدات لهذه النقط المظلمة، والعبارات المبهمة، ومنها الذنب الذي يستوجب مرتكبه نزع الرخصة منه، فأجاب على الإجمال بإجمال، فشرحت له مراد الحكومة من هذا الإجمال، ومرادها (بالذنب الخطير) وأنها تطلق وتعمّم ليبقى باب التأويل مفتوحًا لرجالها، ولكنها- على كل حال- لا تريد من الذنب شرب الخمر ولعب الميسر، والزنا، وكبائر الإثم والفواحش، لأن هذه كلها مشمولة بحمايتها، وكلها- ولو اجتمعت- أخفّ في الإجرام من جريمة التعليم العربي، وإنما تريد الحكومة من الذنب شيئًا واحدًا، تسمّيه إذا شاءت بأسماء عديدة، وتحصره إذا شاءت في اسم واحد وهو السياسة، ولو كان هذا الوصف الشريف منطبقًا على كل من (تتّهمه) به لهان الأمر، ولكنها تكل إلى عمالها رمي من شاؤوا به. فإذا غضبوا على شخص ما، لأمر ما، ولم يجدوا في أعماله مطعنًا، ولا في حياته مغمزًا، ولا في سيرته معلقًا للتهم، رموه بهذه النقيصة التي لا كمال معها، لينتقموا منه، ويطفئوا نار غضبهم عليه، وما دامت حكومتهم تضع المتون، وتكل إليهم الشروح، فهذا هو الشرح الوجيه التي يتفق مع مراد الشارع، ويؤدّي مراد الشارح.

هذا هو المقصود من الذنب، وضعته الحكومة قصدًا ونيّةً وبيّنه رجالها عملًا وتطبيقًا، وعرفناه نحن مشاهدة وتجريبًا، فكل إجمال فيه ضائع، وكل تفصيل له عبث ولغو.

<<  <  ج: ص:  >  >>