للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التصلب الشديد، وفي هذه المقاومة العنيفة التي يعدّها الخوالف تهوّرًا منا وجنونًا، وظهرت آثاره في الجانب الحكومي بهذا التصامّ عن الحق، وهذا التصميم على الباطل، وهذه البرامج التي تظهر كل يوم لحرب التعليم العربي- الإسلامي، ومن فروع هذا البرنامج الواسع- الانهماك في تشييد مئات المكاتب وفتح مئات الأقسام، لتسع أولادنا فتشغلهم بتعليمها عن تعليمنا، وتُعطّلهم عن تعليم مفيد بتعليم ناقص لا يؤهّلهم لشيء من طرق الحياة ووسائلها، وإنما يؤهّلهم لشيء واحد وهو الاستعباد المريح للسيد ... إذ لا يحصلون من وراء هذا التعليم إلا على كلمات يلوكونها بالفرنسية ويفهمون بها عن الحاكم إذا أمر، وعن المعمّر إذا زمجر، ومن فروعه هذه الأقسام الليلية التي فتحتها الحكومة في هذه السنة، بعد ما مهّدت لها في التي قبلها، وجنّدت فيها جيوشًا من المعلّمين بمرتبات إضافية، لتفتن بها الشبان منا والأحداث عن تعلّم لغتهم ودينهم؛ ومن فروعه هذه المكائد التي تنصبها لطلبة العربية الذين يعرفون القراءة والكتابة لتستهويهم بالوظائف وتُغريهم بالمرتبات.

فهذه- ومثلها كثير- كلها حيل تحوكها الحكومة لتقطع بها الطريق على التعليم العربي الديني، وتسدّ المنافذ على طلّابه. وأين كانت هذه الحكومة بالأمس القريب يوم كان تسعون في المائة من أبنائنا يهيمون في أودية الأميّة؟ أكانت عاجزة بالأمس عما قدرت عليه اليوم؟ إنها كانت بالأمس أقدر منها اليوم على التثقيف العام، وعلى فرض التعليم الإجباري، وكانت أقوى وأقوم، وكانت أنعم بالًا، وأكثر فراغًا. ولكنها كانت مغتبطة بحال المسلم من الجهل والأميّة، وكانت تمهّد له سبيلها، وكانت تتمنّى أن لا يفتح عينه على العلم، وأن لا يفتح عقله للعلم؛ فلما أفاق من غفوته، ونهض من كبوته، وأقبل على الحلم، جاءت تخادعه بهذه البرامج التي ذكرنا بعض فروعها لتلهيه بالقشور عن اللباب، وتُريه النافذة وتمنعه من ولوج الباب.

فلتحذَر الأمّة هذه المظاهر الغرّارة فإنها كالسراب، يخدع الظامئ ولا يرويه. وإن مثل الحكومة كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر، فلما كفر قال إني بريء منك.

إن الحكومة تعتمد، في الوصول إلى غايتها في هذا الباب على الساحر الأكبر وهو المال، تغوي به وتُغري وتغرّ، وتخيّل إلى الناس من سحره أنها تنفع وهي تضرّ، وإذا رجع الأمر إلى المال فالحكومة هي الفائزة بلا شك. لأن المال بيدها لا بيدنا. فلم يبق للأمّة من سلاح تدافع به الحكومة وتُبطل به سحر المال إلا الإيمان والكرامة والعزيمة والإصرار، وهذه كلها من أوائل ما يغرسه الإسلام في نفس المسلم.

...

إن الذين ينظرون من الأشياء إلى ظواهرها، ويقفون عند السطحيات، ويرون أن هذا الصراع أمر عاديّ مما يقع بين الحاكم والمحكوم، إذ كان أمر الأول لا يقوم إلا على

<<  <  ج: ص:  >  >>